التامة وقوله: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً عطف على أن مع ما في حيزه أي: إلا وجود ميتة أو دماً مسفوحاً، أي مصبوباً كالدم في العروق لا كالكبد والطحال. أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ فإن الخنزير أو لحمه قذر لتعوده أكل النجاسة أو خبيث مخبث أَوْ فِسْقاً عطف على لحم خنزير. وما بينهما اعتراض للتعليل. أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ صفة له موضحة وإنما سمي ما ذبح على اسم الصنم فسقاً لتوغله في الفسق، ويجوز أن يكون فسقاً مفعولاً له من أهل وهو عطف على يكون والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون. فَمَنِ اضْطُرَّ فمن دعته الضرورة. إلى تناول شيء من ذلك غَيْرَ باغٍ على مضطر مثله وَلا عادٍ قدر الضرورة فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه، والآية محكمة لأنها تدل على أنه لم يجد فيما أوحي إلى تلك الغاية محرماً غير هذه، وذلك لا ينافي ورود التحريم في شيء آخر فلا يصح الاستدلال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا على حل الأشياء غيرها إلا مع الاستصحاب.
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ كل ماله إصبع كالإبل والسباع والطيور. وقيل كل ذي مخلب وحافر وسمي الحافر ظفراً مجازاً ولعل المسبب عن الظلم تعميم التحريم. وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما الثروب وشحوم الكلى والإِضافة لزيادة الربط. إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُما إلا ما علقت بظهورهما. أَوِ الْحَوايا أو ما اشتمل على الأمعاء جمع حاوية، أو حاوياء كقاصعاء وقواصع، أو حوية كسفينة وسفائن. وقيل هو عطف على شحومهما وأو بمعنى الواو. أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ هو شحم الإِلية لاتصالها بالعصعص. ذلِكَ التحريم أو الجزاء. جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم. وَإِنَّا لَصادِقُونَ في الإِخبار أو الوعد والوعيد.
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بإمهاله فإنه لا يهمل. وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ حين ينزل، أو ذو رحمة واسعة على المطيعين وذو بأس شديد على المجرمين، فأقام مقامه ولا يرد بأسه لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة على أنه لازب بهم لا يمكن رده عنهم.
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إخبار عن مستقبل ووقوع مخبره يدل على إعجازه. لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أي لو شاء خلاف ذلك مشيئة ارتضاه كقوله: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ لما فعلنا نحن ولا آباؤنا، أرادوا بذلك أنهم على الحق المشروع المرضي عند الله لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله إياها منهم حتى ينهض ذمهم به دليلاً للمعتزلة ويؤيده ذلك قوله: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي مثل هذا التكذيب لك في أن الله تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرموه كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ الرسل، وعطف آباؤنا على الضمير في أشركنا من غير تأكيد للفصل بلا. حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم. قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ من أمر معلوم يصح الاحتجاج به. على ما زعمتم. فَتُخْرِجُوهُ لَنا