للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بعد تعميم قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ لأن المباشرة أشهى الملاهي إلى النفس وأعظمها خطراً. فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ الضمير لحافظون، أو لمن دل عليه الاستثناء أي فإن بذلوها لأزواجهم أو إمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك.

فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ المستثنى. فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ الكاملون في العدوان.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٨ الى ٩]

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩)

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق. راعُونَ قائمون بحفظها وإصلاحها، وقرأ ابن كثير هنا وفي «المعارج» لأمانتهم على الإِفراد ولأمن الإِلباس أو لأنها في الأصل مصدر.

وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها، ولفظ الفعل فيه لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي، وليس ذلك تكريراً لما وصفهم به أولاً فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها، وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٠ الى ١١]

أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)

أُولئِكَ الجامعون لهذه الصفات. هُمُ الْوارِثُونَ الأحقاء بأن يسموا وُرَّاثاً دون غيرهم.

الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيماً لها وتأكيداً، وهي مستعارة لاستحقاقهم الفردوس من أعمالهم، وإن كان بمقتضى وعده مبالغة فيه. وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار. هُمْ فِيها خالِدُونَ أنث الضمير لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ١٣]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ من خلاصة سلت من بين الكدر. مِنْ طِينٍ متعلق بمحذوف لأنه صفة ل سُلالَةٍ أو من بيانية أو بمعنى سُلالَةٍ لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأولى، والإنسان آدم عليه السلام خلق من صفوة سلت من الطين، أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفاً بعد أدوار.

وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته.

ثُمَّ جَعَلْناهُ ثم جعلنا نسله فحذف المضاف. نُطْفَةً بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة، وتذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء. فِي قَرارٍ مَكِينٍ مستقر حصين يعني الرحم، وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل للمبالغة كما عبر عنه بالقرار.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٤ الى ١٦]

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء. فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فصيرناها قطعة لحم. فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً بأن صلبناها. فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها، واختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات والجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة، وقرأ ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>