[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٨ الى ٨٠]
قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠)
قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا لتصرفنا واللفت والفتل أخوان. عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام.
وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ الملك فيها سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر، أو التكبر على الناس باستتباعهم. وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ بمصدقين فيما جئتما به.
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ وقرأ حمزة والكسائي بكل «سحار» . عَلِيمٍ حاذق فيه. فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)
فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ أي الذي جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحراً. وقرأ أبو عمرو السِّحْرُ على أن مَا استفهامية مرفوعة بالابتداء وجئتم به خبرها والسِّحْرُ بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره أهو السحر، أو مبتدأ خبره محذوف أي السحر هو. ويجوز أن ينتصب ما بفعل يفسره ما بعده وتقديره أي شيء أتيتم. إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ سيمحقه أو سيظهر بطلانه. إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ لا يثبته ولا يقويه وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له.
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ويثبته. بِكَلِماتِهِ بأوامره وقضاياه وقرئ «بكلمته» . وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك.
[[سورة يونس (١٠) : آية ٨٣]]
فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)
فَما آمَنَ لِمُوسى أي في مبدأ أمره. إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفاً من فرعون إلا طائفة من شبانهم، وقيل الضمير ل فِرْعَوْنَ والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به، أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنه وزوجته وماشطته عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أي مع خوف منهم، والضمير ل فِرْعَوْنَ وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء، أو على أن المراد ب فِرْعَوْنَ آله كما يقال: ربيعة ومضر، أو لل ذُرِّيَّةٌ أو للقوم. أَنْ يَفْتِنَهُمْ أن يعذبهم فرعون، وهو بدل منه أو مفعول خوف وإفراده بالضمير للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسببه. وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ لغالب فيها. وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]
وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)
وَقالَ مُوسى لما رأى تخوف المؤمنين به. يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا فثقوا به واعتمدوا عليه. إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ مستسلمين لقضاء الله مخلصين له، وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين، فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل فإنه المقتضي له، والمشروط بالإسلام حصوله فإنه لا يوجد مع التخليط ونظيره إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت.
فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا لأنهم كانوا مؤمنين مخلصين ولذلك أجيبت دعوتهم. رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً