والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر، فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا، أو أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط، وأن يكون تمهيدا لقوله تعالى:
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣١]]
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١)
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفاقة، وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمن لهم أرزاقهم فقال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً ذنباً كبيراً لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع، وال خِطْأً الإثم يقال خطئ خطأ كأثم إثماً، وقرأ ابن عامر خِطْأً وهو اسم من اخطأ يضاد الصواب، وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر. وقرأ ابن كثير «خطاء» بالمد والكسر وهو إما لغة فيه أو مصدر خاطأ وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله:
تَخَاطَأَهُ القَناصُ حَتَّى وَجَدْتُه ... وَخَرْطُومُهُ فِي مَنْقعِ المَاءِ رَاسِب
وهو مبني عليه وقرئ «خطاء» بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحاً ومكسوراً.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٢]]
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى بالعزم والإِتيان بالمقدمات فضلاً عن أن تباشروه. إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته. وَساءَ سَبِيلًا وبئس طريقاً طريقه، وهو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٣]]
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣)
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان: وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمداً. وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل. فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث. سُلْطاناً تسلطاً بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى مَظْلُوماً بدل على أن القتل عمد عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلماً. فَلا يُسْرِفْ أي القاتل. فِي الْقَتْلِ بأن يقتل من لا يستحق قتله، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة، أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي «فلا تسرفوا» . وقرأ حمزة والكسائي «فلا تسرف» على خطاب أحدهما. إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً علة النهي على الاستئناف والضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب، وإما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته، وإما للذي يقتله الولي إسرافاً بإيجاب القصاص أو التعزير والوزر على المسرف.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٤]]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلاً أن تتصرفوا فيه. إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا بالطريقة التي هي أحسن.
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء. وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ بما عاهدكم الله من تكاليفه، أو ما عاهدتموه وغيره. إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به، أو مسؤولاً عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت، أو يسأل العهد تبكيتاً للناكث كما يقال للموءودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، فيكون تخييلاً ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا.