في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم، أو للحاضرين المريض عند الإِيصاء بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه أن يضرَّ بهم بصرف المال عنهم، أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافاً مثلهم هل يجوزون حرمانهم، أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ولو بما في حيزه، جعل صلة للذين على معنى وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافاً خافوا عليهم الضياع، وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه، وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده وتهديد للمخالف بحال أولاده. فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبدأ والمنتهى، إذ لا ينفع الأول دون الثاني، ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب، أو للمريض ما يصده عن الإِسراف في الوصية وتضييع الورثة، ويذكره التوبة وكلمة الشهادة، أو لحاضري القسمة عذراً جميلاً ووعداً حسناً، أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة.
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ظالمين، أو على وجه الظلم. إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ملء بطونهم. نَارًا ما يجر إلى النار، ويؤول إليها.
وعن أبي بردة رضي الله تعالى عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:«يبعث الله قوماً من قبورهم تتأجج أفواههم ناراً» . فقيل: من هم؟ فقال: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً
. وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً سيدخلون ناراً وأي نار. وقرأ ابن عامر وابن عياش عن عاصم بضم الياء مخففا. وقرئ به مشدداً يقال صلى النار قاسى حرها، وصليته شويته وأصليته وصليته ألقيته فيها، والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار إذا ألهبتها.
يُوصِيكُمُ اللَّهُ يأمركم ويعهد إليكم. فِي أَوْلادِكُمْ في شأن ميراثهم وهو إجمال تفصيله. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أي يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان فيضعف نصيبه، وتخصيص الذكر بالتنصيص على حظه لأن القصد إلى بيان فضله، والتنبيه على أن التضعيف كاف للتفضيل فلا يحرمن بالكلية وقد اشتركا في الجهة، والمعنى للذكر منهم فحذف للعلم به. فَإِنْ كُنَّ نِساءً أي إن كان الأولاد نساء خلصاً ليس معهن ذكر، فأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات. فَوْقَ اثْنَتَيْنِ خبر ثان، أو صفة للنساء أي نساء زائدات على اثنتين. فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ المتوفى منكم، ويدلَ عليه المعنى. وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ أي وإن كانت المولودة واحدة. وقرأ نافع بالرفع على كان التامة، واختلف في الثنتين فقال ابن عباس رضي الله عنهما حكمهما حكم الواحدة، لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما. وقال الباقون حكمهما حكم ما فوقهما لأنه تعالى لما بين أن حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى وهو الثلثان، اقتضى ذلك أن فرضهما الثلثان. ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد رد ذلك بقوله: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ويؤيد ذلك أن البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالحري أن تستحقه مع أخت مثلها. وأن البنتين أمس