[[سورة الأنفال (٨) : آية ٦]]
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ في إيثارك الجهاد بإظهار الحق لإيثارهم تلقي العير عليه. بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ أنهم ينصرون أينما توجهوا بإعلام الرسول عليه الصلاة والسلام. كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه، وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم إذ
روي أنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان،
وفيه إيماء إلى أن مجادلتهم إنما كانت لفرط فزعهم ورعبهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧ الى ٨]
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ على إضمار اذكر، وإحدى ثاني مفعولي يَعِدُكُمُ وقد أبدل منها.
أَنَّها لَكُمْ بدل الاشتمال. وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارساً ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَدَدِهِمْ، وعُدَدِهِمْ والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك. وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ أي يثبته ويعليه. بِكَلِماتِهِ الموحى بها في هذه الحال، أو بأوامره للملائكة بالإمداد، وقرئ «بكلمته» . وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ويستأصلهم، والمعنى: أنكم تريدون أن تصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين.
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أي فعل ما فعل وليس بتكرير، لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها. وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ أو متعلق بقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ، أو على إضمار اذكر، واستغاثتهم أنهم لما علموا أن لا محيص عن القتال أخذوا يقولون: أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين،
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه عليه السلام نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة، فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو: «اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فقال أبو بكر يا نبي الله: كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.
فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بأني ممدكم، فحذف الجار وسلط عليه الفعل وقرأ أبو عمرو بالكسر على إرادة القول أو إجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول. بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضاً من أردفته أنا إذا جئت بعده، أو متبعين بعضهم بعض المؤمنين، أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه. وقرأ نافع ويعقوب مُرْدِفِينَ بفتح الدال أي متبعين أو متبعين بمعنى أنهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم. وقرئ «مُرْدِفِينَ» بكسر الراء وضمها وأصله مرتدفين بمعنى مترادفين فأدغمت التاء في الدال فالتقى ساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أو بالضم على الاتباع. وقرئ «بآلاف» ليوافق ما في سورة «آل عمران» ، ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة، أو وجوههم وأعيانهم، أو من قاتل منهم واختلف في مقاتلتهم وقد روي أخبار تدل عليها.
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ أي الإمداد إِلَّا بُشْرى إلا بشارة لكم بالنصر. وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ فيزول ما بها