للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو لا يناسب وصفهم بأنهم أميون. وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ما هم إلا قوم يظنون لا علم لهم، وقد يطلق الظن بإزاء العلم على كل رأي واعتقاد من غير قاطع، وإن جزم به صاحبه: كاعتقاد المقلد والزائغ عن الحق لشبهة.

فَوَيْلٌ أي تحسر وهلك. ومن قال إنه واد أو جبل في جهنم فمعناه: أن فيها موضعاً يتبوأ فيه من جعل له الويل، ولعله سماه بذلك مجازاً. وهو في الأصل مصدر لا فعل له وإنما ساغ الابتداء به نكرة لأنه دعاء. لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ يعني المحرفين، ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة. بِأَيْدِيهِمْ تأكيد كقولك: كتبته بيميني ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا كي يحصلوا به عرضاً من أعراض الدنيا، فإنه وإن جعل قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العقاب الدائم. فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ يعني المحرف. وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ يريد به الرشى.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٨٠]]

وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨٠)

وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ المس اتصال الشيء بالبشرة بحيث تتأثر الحاسة به، واللمس كالطلب له ولذلك يقال ألمسه فلا أجده. إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً محصورة قليلة، روي أن بعضهم قالوا نعذب بعدد أيام عبادة العجل أربعين يوماً، وبعضهم قالوا مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً خبراً أو وعد بما تزعمون. وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال. والباقون بإدغامه فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ جواب شرط مقدر أي: إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده، وفيه دليل على أن الخلف في خبره محال.

أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ أم معادلة لهمزة الاستفهام بمعنى أي الأمرين كائن، على سبيل التقرير للعلم بوقوع أحدهما، أو منقطعة بمعنى: بل أتقولون، على التقرير والتقريع.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨١ الى ٨٢]

بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)

بَلى إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زماناً مديداً ودهراً طويلاً على وجه أعم، ليكون كالبرهان على بطلان قولهم، وتختص بجواب النفي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً قبيحة، والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنه من الخطأ، والكسب: استجلاب النفع. وتعليقه بالسيئة على طريق قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ أي استولت عليه، وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه، وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأن غيره وإن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه فلم تحط الخطيئة به، ولذلك فسرها السلف بالكفر. وتحقيق ذلك: أن من أذنب ذنباً ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه، حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلاً إلى المعاصي، مستحسناً إياها معتقداً أن لا لذة سواها، مبغضاً لمن يمنعه عنها مكذباً لمن ينصحه فيها، كما قال الله تعالى: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ. وقرأ نافع خطيئاته.

وقرئ «خطيته» و «خطياته» على القلب والإدغام فيهما. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازمون أسبابها في الدنيا هُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون، أو لابثون لبثاً طويلاً. والآية كما ترى لا حجة فيها على خلود صاحب الكبيرة وكذا التي قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>