للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْطُوا الْجِزْيَةَ

ما تقرر عليهم أن يعطوه مشتق من جزى دينه إذا قضاه. عَنْ يَدٍ حال من الضمير أي عن يد مؤاتية بمعنى منقادين، أو عن يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه، أو عن غنى ولذلك قيل: لا تؤخذ من الفقير، أو عن يد قاهرة عليهم بمعنى عاجزين أذلاء أو من الجزية بمعنى نقداً مسلمة عن يد إلى يد أو عن إنعام عليهم فإن إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة. وَهُمْ صاغِرُونَ أذلاء وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تؤخذ الجزية من الذمي وتوجأ عنقه. ومفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب ويؤيده

أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، أنه صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر. وأنه قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»

وذلك لأنهم لهم شبهة كتاب فألحقوا بالكتابيين، وأما سائر الكفرة فلا تؤخذ منهم الجزية عندنا، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تؤخذ منهم إلا مشركي العرب لما

روى الزهري أنه صلّى الله عليه وسلّم صالح عبدة الأوثان إلا من كان من العرب،

وعند مالك رحمه الله تعالى تؤخذ من كل كافر إلا المرتد، وأقلها في كل سنة دينار سواء فيه الغني والفقير، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى على الغني ثمانية وأربعون درهماً وعلى المتوسط نصفها وعلى الفقير الكسوب ربعها ولا شيء على الفقير غير الكسوب.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٣٠]]

وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)

وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ إنما قاله بعضهم من متقدميهم أو ممن كانوا بالمدينة، وإنما قالوا ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة، وهو لما أحياه الله بعد مائة عام أملى عليهم التوراة حفظاً فتعجبوا من ذلك وقالوا: ما هذا إلا أنه ابن الله. والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب. وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب عُزَيْرٌ بالتنوين على أنه عربي مخبر عنه بابن غير موصوف به وحذفه في القراءة الأخرى إما لمنع صرفه للعجمة والتعريف، أو لالتقاء الساكنين تشبيهاً للنون بحروف اللين أو لأن الابن وصف والخبر محذوف مثل معبودنا أو صاحبنا وهو مزيف لأنه يؤدي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدر. وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ هو أيضاً قول بعضهم، وإنما قالوه استحالة لأن يكون ولد بلا أب أو لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلهاً. ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ إما تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ونفي للتجوز عنها، أو إشعار بأنه قول مجرد عن برهان وتحقيق مماثل للمهمل الذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان. يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. مِنْ قَبْلُ أي من قبلهم والمراد قدماؤهم على معنى أن الكفر قديم فيهم، أو المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله، أو اليهود على أن الضمير للنصارى، والمضاهاة المشابهة والهمز لغة فيه. وقرأ به عاصم ومنه قولهم امرأة ضهياء على فعيل للتي شابهت الرجال في أنها لا تحيض. قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم بالإِهلاك فإن من قاتله الله هلك، أو تعجب من شناعة قولهم. أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣١ الى ٣٢]

اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢)

اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله أو بالسجود لهم. وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ بأن جعلوه ابناً لله. وَما أُمِرُوا أي وما أمر المتخذون أو المتخذون

<<  <  ج: ص:  >  >>