يخرج وقال: إن في بني إسرائيل أنبياء أقوياء غيري، فعزم عليه الملك ليخرج فخرج وهو كاره، فغضب على الملك. فوجد قوماً قد شحنوا سفينتهم، فقال لهم: أتحملونني معكم؟ فعرفوه فحملوه. فلما شحنت السفينة بهم وأسرعت في البحر، انكفأت بهم وغرقت، فقال ملاحوها:
يا هؤلاء إن فيكم رجلاً عاصياً، لأن السفينة لا تفعل هذا من غير ريح إلا وفيكم رجل عاصٍ، فاقترعوا، فخرج سهم يونس عليه السلام فقال التجار: نحن أولى بالمعصية من نبي الله تعالى.
ثم أعادوا الثانية والثالثة، فخرج سهم يونس، فقال: يا هؤلاء، أنا والله العاصي. قال: فتلفف في كسائه وقام على رأس السفينة، فرمى بنفسه في البحر فابتلعته السمكة فذلك قوله تعالى:
إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يعني: لن نقضي عليه بالعقوبة، ويقال: إن ذنبه لم يبلغ مبلغ الذي نقدر عليه العقوبة، ويقال: ظن أنا لن نضيق عليه الحبس، كقوله: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [الفجر: ١٦] أي ضيق. وقرأ بعضهم: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ بالتشديد، فهو من التقدير، وقراءة العامة بالتخفيف. فَنادى فِي الظُّلُماتِ، يعني: في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت: أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أي ليس أحد له سجن كسجنك. سُبْحانَكَ إني تبت إليك. إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لنفسي.
قال الله عزّ وجلّ: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، يعني: غم الماء في بطن الحوت، ويقال: من غم الذنب وقد بقي في بطن الحوت أربعين يوماً، ويقال: أقل من ذلك.
ثم قال: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ. قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر في إحدى الروايتين نجي المؤمنين بنون واحدة وتشديد الجيم. وقال الزجاج: هو لحن، لأن فعل ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل وإنما كتب في المصحف بنون واحدة، لأن الثانية تخفى مع الجيم. وقال أبو عبيد: والذي عندنا أنه ليس بلحن، وله مخرجان في العربية: أحدهما: أنه يريد نُنَجّى مشددة كقوله: وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ثم يدغم النون الثانية في الجيم والآخر:
معناه نجِّي نجاة المؤمنين. قال: هذه القراءة أحب إلي، لأن المصاحف كلها كتبت بنون واحدة، وهكذا رأيت في مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه وقرأ الباقون نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بنونين.