قوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ. قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: لما نزل قوله: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: ٢٢٨] قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، لو كانت المرأة آيسة لا تحيض، كيف تعتد؟ فنزل: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ والآية. أن تبلغ ستين سنة، ويقال خمسين. إِنِ ارْتَبْتُمْ، إن شككتم في عدتهن، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، فقام رجل آخر، فقال: لو كانت صغيرة، كيف عدتها؟
وقام آخر وقال: لو كانت حاملاً، كيف عدتها؟ فنزل: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ يعني: المرأة التي لم تحض، فعدتها ثلاثة أشهر مثل عدة الآيسة. وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ يعني: عدتهن أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وقال عمر: لو وضعت ما في بطنها وزوجها على سريره، قبل أن يدفن في حفرته، لا نقضت عدتها وحلت للأزواج. وروى الزهري، عن عبد الله، عن أبيه: أن سبيعة بنت الحارث قد وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين يوماً، فمر بها السنابل بن بعكك، فقال لها: أَتُرِيدِينَ أنْ نتزوج؟ فقالت: نعم. قال: لا حتى يأتي عليك أربعة أشهر وعشر. فأتت النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فقال لها قد حللت للزواج يعني: انقضت عدتك.
ثم قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يعني: يصبر على طاعة الله تعالى، يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يعني: ييسر عليه أمره، ويوفقه ليعمل على طاعة الله تعالى، ويعصمه عن معاصيه. ثم قال:
ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ يعني: هذا الذي ذكره حكم الله وفريضته. أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ يعني: أنزله في القرآن على نبيكم. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ويعمل بأحكامه وفريضته، يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ في الدنيا، وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً يعني: ثواباً في الجنة. قرأ نافع، وابن عامر نَّكْفُرَ عَنْهُ بالنون، والباقون بالياء، ومعناهما: يرجع إلى شيء واحد. ثم رجع إلى ذِكْرِ المطلقات.
فقال عز وجل: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ يعني: أنزلوهن من حيث تسكنون فيه.
مِنْ وُجْدِكُمْ يعني: من سعتكم. والوجد: القدرة والغنى. ويقال: افتقر فلان بعد وجده.
ثم قال: وَلا تُضآرُّوهُنَّ يعني: لا تظلموهن. لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ في النفقة والسكنى. وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ يعني: إن كن المطلقات ذوات حمل، فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وقد أجمعوا أن المطلقة إذا كانت حاملاً فلها النفقة، وأما إذا لم تكن حاملاً، فإن