قوله تبارك وتعالى: ن وَالْقَلَمِ. قرأ الكسائي، ونافع، وعاصم في إحدى الروايتين بالإِدغام، والباقون بإظهار النون، وهما لغتان ومعناهما واحد. قال ابن عباس: هي السمكة التي تحت الأرضين. وروى الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ القَلَمَ فَقَالَ اكْتُبْ، قَالَ بِمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ القَدَرَ فَيَجْرِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى قِيامِ السَّاعَةِ. ثم خلق النون يعني: السمكة، فدحا الأرض عليها فارتفع بخار الماء، ففتق منه السموات، فاضطربت النون فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال. وإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير، والحسن، وقتادة: النون: الدواة، وقال قتادة: الدواة والقلم: ما قام لله وبه لإصلاح عيش خلقه، والله يعلم ما يصلح خلقه. ويقال: النون: افتتاح اسم الله تعالى، وهو النون. ويقال: هو آخر اسمه من الرحمن، وهذا قسم أقسم الله تعالى بالنون والقلم، وجواب القسم مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، فذلك قوله: ن.
وَما يَسْطُرُونَ يكتُب الحفظة من أعمال بني آدم ويقال: وَما يَسْطُرُونَ يعني:
تكتب الحفظة في اللوح المحفوظ. مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ يعني: ما أنت بحمد الله تعالى بمجنون مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ كما يزعمون، وذلك أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)[العلق: ١] إلى قوله: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)[العلق: ٥] وعلمه جبريل الصلاة، فقال أهل مكة: جن محمد صلّى الله عليه وسلم. وكان النبي يفر من الشاعر والمجنون. فلما نسبوه إلى الجنون، شق ذلك عليه، فنزل: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ.
ويقال: بل أنت رسول الله تعالى.
ثم قال: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ يعني: غير مقطوع، ويقال: غير محسوب،