للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحِجابِ

[ص: ٣٢] يعني: الشمس. ومعناه: مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن ينصر الله محمداً صلّى الله عليه وسلّم بالغلبة والحجة. فِي الدُّنْيا وَالشفاعة في الْآخِرَةِ. فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ، يعني: فليربط بحبل من سقف البيت، لأن كل ما علاك فهو سماء. ثُمَّ لْيَقْطَعْ، يعني: ليختنق، فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ، أي: اخْتِنَاقُه. مَا يَغِيظُ، معناه: هل ينفعه ذلك؟ قال ابن عباس: «نزلت الآية في نفر من أسد وغطفان، فقالوا: نخافُ أن لن ينصر الله محمداً عليه السلام، فيقطع ما بيننا وبين حلفائنا من المودة، يعني: اليهود» . وقال القتبي: كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم على المشركين، يستبطئون ما وعد لهم من النصرة، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يتم لهم أمره، فنزل مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ، يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلّم بعد ما سمعوا منه النصرة والإظهار. ولكن كلام العرب على وجه الاختصار، يعني: إن لم تثق بما أقول لك، فاذهب فاختنق، أو اجتهد جهدك.

قال: وفيه وجه آخر وهو: أن يكون هاهنا السماء بعينها لا السقف، فكأنه قال فليمدد بسبب إليها أي بحبل وليرتق فيه، ثم ليقطع الحبل حتى يخر فيهلك، فلينظر هل ينفعه؟ كقوله عز وجل: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ [الأنعام: ٣٥] وقال أبو عبيدة: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعني: أن لن يرزقه الله. وذهب إلى قول العرب: أرض منصورة، أي ممطورة، فكأنه قال: من كان قانطاً من رزق الله ورحمته، فليفعل ذلك فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ، أي حيلته ما يغيظ، أي غيظه لتأخير الرزق عنه. وقال الزجاج: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلّم، حتى يظهره الله على الدين كله، فليمت غيظاً.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٦ الى ١٧]

وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)

ثم قال عز وجل: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ، أي: جبريل عليه السلام بالقرآن آياتٍ بَيِّناتٍ، يعني: واضحات بالحلال والحرام. وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ، يعني: يرشد إلى دينه مَنْ كان أهلاً لذلك، فيوفقه لذلك. وهذا كقوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يونس: ٢٥] .

قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، يعني: أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم ومن كان مثل حالهم، وَالَّذِينَ هادُوا يعني: مالوا عن الإسلام يعني: اليهود وَالصَّابِئِينَ وقد ذكرناه من قبل، وَالنَّصارى وقد ذكرناه من قبل وَالْمَجُوسَ، يعني: عبدة النيران وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني:

عبدة الأوثان والأديان ستة: فواحد لله تعالى، والخمسة للشيطان. إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ، يعني: يقضي ويحكم بينهم يَوْمَ الْقِيامَةِ، بين هذه الأديان الستة. وقال بعضهم: إن الفاء

<<  <  ج: ص:  >  >>