المدينة، فلما دخل المدينة لقيه أبو بكر فقال له: ربح البيع يا صهيب. فقال له: وبيعك فلا يخسر. فقال: وما ذلك يا أبا بكر فأخبره بما نزل فيه ففرح بذلك صهيب. وقتل ياسر أبو عمار وأم عمار سمية، فنزلت هذه الآية في شأن صهيب وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، أي يشري نفسه ودينه. وهذا من أسماء الأضداد، يقال: شرى واشترى وباع وابتاع.
ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، أي طلب يشتري نفسه ودينه رضاء الله. وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ، أي رحيم بهم. ثم صارت هذه الآية عامة لجميع الناس من بذل ماله ليصون به نفسه ودينه، فهو من أهل هذه الآية.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً. قرأ نافع وابن كثير والكسائي: السّلم بنصب السين وقرأ الباقون: بالكسر. والسّلم بالكسر هو الإسلام والسَّلم بالنصب هو المسالمة والصلح. ويقال: السَّلم والسَّلم في اللغة: هو الصلح. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية فيمن أسلم من أهل الكتاب، كانوا يتقون السبت، ويحرمون أكل لحوم الجمال فنزلت:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، أي في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، يعني طاعات الشيطان.
قال مقاتل: استأذن عبد الله بن سلام وأصحابه بأن يقرءوا التوراة في الصلاة وأن يعملوا ببعض ما في التوراة فنزل قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، فإن اتباع السنة الأولى- بعد ما بعث محمد صلى الله عليه وسلم- من خطوات الشيطان. وقال بعضهم: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، أي اثبتوا على شرائع محمد صلى الله عليه وسلم ولا تخرجوا منها.
وقوله: كَافَّةً أي عبارة عن الجميع، فيجوز أن يكون معناه: ادخلوا جميعاً ويجوز أن يكون معناه: ادخلوا في جميع شرائعه ولا تتبعوا خطوات الشيطان، أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليها الشيطان. إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، أي ظاهر العداوة فَإِنْ زَلَلْتُمْ، أي ملتم عن شرائع محمد صلى الله عليه وسلم. مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وشرائعه، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ عزيز بالنعمة حكيم في أمره، وقال مقاتل أي حكيم حكم عليهم بالعذاب الشديد.