يعني: لم تكن تكتب شيئاً بيدك. إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ يعني: فلو كنت قرأت الكتب أو كنت تكتب بيدك لشكَّ أهل مكة في أمرك، ويقولون إنه قرأ الكتب وأخذ منها، ويقال: معناه لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ يعني: لشك أهل الكتاب في أمرك لأنهم وجدوا في كتبهم نعته وصفته أنه أمي لا يقرأ الكتب، كيلا يشكوا في صفته. بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني: بل هو يقين أنه نبي عند أهل العلم، ويقال: يعني: القرآن آياتٌ بَيِّناتٌ يعني: واضحات، ويقال: بل إنه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات، لأنه أخبر عن أقاصيص الأولين فى صدور الذين أوتوا العلم، يعني: مؤمني أهل الكتاب وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ يعني: الكافرين.
قوله عز وجل: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ يعني: علامة من ربه قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ يعني: العلامات عِنْدَ اللَّهِ يعني: من عند الله عز وجل وليس بيدي شيء. وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ يعني: مخوفاً مفقهاً لكم، أنبئكم بلغة تعرفونها. قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص آياتٌ بلفظ الجماعة، يعني: آيات القرآن. وقرأ الباقون آية يعني: آية واحدة، يعني: أنه كان لا يكتب، وكان له في ذلك آية بينة لنبوته، ويجوز أن يكون معناه: الآيات للجنس.
ثم قال عز وجل: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يعني: القرآن فيه خبر ما مضى، وخبر ما يكون أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ هذا علامة، ويقال: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنهم فصحاء فجاءهم بالقرآن الذي أعجزهم عن ذلك. وقال الزجاج: كان قوم من المسلمين كتبوا شيئاً عن اليهود فأتوا به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بهذا حَمَاقَةَ قَوْمٍ أوْ ضَلاَلَةَ قَوْمٍ أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا أتاهُمْ بهِ نَبِيُّهُمْ إلى ما أَتَى بِهِ غَيْرُ نبيّهم»«١» قال الله عزّ وجلّ: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً يعني: في هذا القرآن لنعمة لمن آمن به وَذِكْرى أي موعظة ويقال: تفكر لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني: يصدقون بالقرآن. فقال له كعب بن الأشرف وَقَدْ كان قدم مكة: من يشهد لك أنك رسول الله إن لم نشهد لك، فنزل قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً بأني رسول الله يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ يعني:
(١) عزاه السيوطي: ٦/ ٤٧١ إلى الدارمي وأبي داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة.