للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فلا يعذبكم في الدنيا. وروى عطاء عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا وَاحِدَةً فَقَسَمَها بَيْنَ الخَلائِقِ فِبِها يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوُحُوشُ عَلَى أوْلادِها، وَادَّخَرَ لِنَفْسِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . ويقال: كتب الرحمة حيث أمهلهم، ولم يهلكهم ليرجعوا ويتوبوا.

ثم قال: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعني: ليجمعنكم يوم القيامة. وهذا كما يقال:

جمعت هؤلاء إلى هؤلاء أي ضممت بينهم في الجمع لاَ رَيْبَ فِيهِ يعني: في البعث أنه كائن.

ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قال بعضهم: هذا ابتداء وخبره لاَ يُؤْمِنُونَ. وقال بعضهم: هذا بدل من قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ.

ثم عظم نفسه فقال:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣ الى ١٦]

وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)

وَلَهُ مَا سَكَنَ يعني: ما استقر فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من الدواب والطير في البر والبحر.

فمنها ما يستقر في الليل وينتشر بالنهار. ومنها ما يستقر بالنهار وينتشر الليل.

ثم قال: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يعني: السميع لمقالتهم، العليم بعقوبتهم. ثم قال:

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا وذلك أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّ آباءك كانوا على مذهبنا، وإنما تركت مذهبهم للحاجة فارجع إلى مذهب آبائك حتى نغنيك بالمال. فنزلت قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا يعني: أعبد ربا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: خالق السموات والأرض.

ويقال: مبتدئهما. ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ» أي، على ابتداء الخلقة.

وهو الإقرار بالله حين أخذ عليهم العهد في أصلاب آباءهم. وإنما صار فاطِرِ كسراً لأنه من صفة الله تعالى يعني: أغير الله فاطر السموات والأرض. وقال الزجاج: يجوز الضم على معنى هو فاطر السموات والأرض. ويجوز النصب على معنى: اذكروا فاطر السموات، إلا أن الاختيار الكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>