مكة. ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: ذلك صفة الذين جحدوا نبوة النبيّ صلّى الله عليه وسلم والقرآن فَاقْصُصِ الْقَصَصَ أي اقرأ عليهم القرآن لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أي: لكي يتعظوا بأمثال القرآن ويؤمنوا به.
قوله تعالى: ساءَ مَثَلًا يعني: بئس مثل الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: بئس مثل من كان مثل الكلب، وإنما ضرب المثل بالكلب تقبيحاً لمذهبهم. ويقال: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا وكانت صفتهم مثل صفة بلعم وهم أهل مكة كذبوا بآياتنا، فلم يؤمنوا بها مثل بلعم وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ يعني: يضرون بأنفسهم ثم قال تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي يعني: من يهده الله لدينه فهو المهتدي من الضلالة وَمَنْ يُضْلِلْ يعني: ومن يضله عن دينه ويخذله فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بالعقوبة.
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً يعني: خلقنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فإن قيل: قد قال في آية أخرى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] فأخبر أنه خلق الجن والإنس لعبادته. وهاهنا يقول: خلقهم لجهنم. قيل له: قد خلقهم للأمرين جميعاً منهم من يصلح لجهنم فخلقه لها، ومنهم من يصلح للعبادة فخلقه لها، ولأن من لا يصلح لشيء لا يخلقه لذلك الشيء. ويقال معنى قوله: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ يعني: إلا للأمر والنهي. ويقال: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ يعني: إلا لكي يمكنهم أن يعبدوا، وقد بينت لهم الطريق. ويقال: في هذه الآية تقديم وتأخير. ومعناه: ولقد ذرأنا جهنم لكثير من الجن والإنس.
ثم وصفهم فقال تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِها يعني: لا يعقلون بها. الحق كما قال في آية أخرى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة: ٧] ثم قال: وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِها يعني: الهدى وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها يعني: الهدى.
ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ فشبههم بالأنعام لقلة رغبتهم وتغافلهم عن الحق. يعني: إنهم كالأنعام في ذهنهم لا في صورهم. لأنه ليس للأنعام إلا الأكل