يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى، يعني فرض عليكم وأوجب عليكم القصاص. فإن قيل: الفرض على من يكون؟ على الولي أو على غيره؟ قيل له: الفرض على القاضي إذا اختصموا إليه، بأن يقتضي على القاتل بالقصاص إذا طلب الولي، لأن الله تعالى قد خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص، فخاطب الولي بالقصاص وخاطب غيره بأن يعين الولي على ذلك. وهو قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، أي فرض عليكم إذا كان في القتل عمداً.
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. قال بعضهم: كان في أول الشريعة أن الحر يقتل بالحر والعبد بالعبد، ولا يقتل الحر بالعبد ولا العبد بالحر، ولا الذكر بالأنثى ثم نسخ بقوله تعالى: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: ٤٥] . وقال بعضهم هي غير منسوخة، لأنه قد ذكر هذه الآية: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ولم يذكر في هذه الآية: أن العبد لو قتل حراً ما حكمه، فبيّن في آية أخرى وهو قوله: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. وقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في حيين من أحياء العرب اقتتلوا في الجاهلية، فكان بينهم قتلى وجراحات وكان لأحدهما طول على الأخرى فقالوا: لنقتلن بالعبد منا الحر منكم، وبالمرأة الرجل منكم، وبالرجل منا الرجلين منكم فلما جاء الإسلام طلب بعضهم من بعض ذلك، فنزلت هذه الآية: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى.
ثم قال تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، أي ترك ولي المقتول من أخيه: أي القاتل ولم يقتله وأخذ الدية. فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، يعني يطلب الدية بالرفق ولا يعسر عليه، وأمر بالمطلوب بأن يؤدي الدية إلى الطالب لقوله: وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. وقال القتبي فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ قال: قبول الدية في العمد والعفو عن الدم. فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، أي مطالبة جميلة وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ لا يبخسه ولا يمطله، معناه ولا يدفعه إذا عفا أحد ولي القصاص صار نصيب الآخر ملأ فيتبعه بالمعروف، والقاتل يؤدي إليه نصيبه بإحسان.