للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني: أفلم يعلموا أن الله خالقهم، وخالق السموات والأرض، وهو قادر على أن يخسف بهم إن لم يوحدوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي: لعلامة لوحدانيتي.

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٠ الى ١١]

وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)

قوله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يعني: أعطيناه النبوة والملك يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ يعني: سبحي مع داود. وأصله في اللغة من الرجوع. وإنما سمي التسبيح إياباً لأن المسبح مرة بعد مرة وقال القتبي: أصله التأويب من السير، وهو أن يسير النهار كله، كأنه أراد أوبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل.

ثم قال: وَالطَّيْرَ وقرئ في الشاذ: والطير بالضم. وقراءة العامة بالنصب. فمن قرأ بالضم: فهو على وجهين. أحدهما أن يكون نسقاً على أوبي، والمعنى يا جبال ارجعي بالتسبيح معه أنت والطير. ويجوز أن يكون مرفوعاً على النداء والمعنى أيها الجبال وأيها الطير. ومن قرأ بالنصب فلثلاث معانٍ أحدها لنزع الخافض ومعناه: أوبي معه، ومع الطير.

والثاني أنه عطف على قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا وآتيناه الطير يعني: وسخرنا له الطير. والثالث أن النداء إذا كان على أثره اسم، فكان الأول بغير الألف واللام، والثاني بالألف واللام، فإنه في الثاني بالخيار إن شاء نصبه، وإن شاء رفعه والنصب أكثر كما قال الشاعر:

ألاَ يَا زَيْدُ والضَّحَّاكَ سِيْرَا ... فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمرَ الطَّرِيقِ

ورفع زيداً لأنه نداء مفرد، ونصب الضحاك بإدخال الألف واللام.

ثم قال عز وجل: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ يعني: جعلنا له الحديد مثل العجين أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ يعني: قلنا له اعمل الدروع الواسعة. وكان قبل ذلك صفائح الحديد مضروبة.

ثم قال: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ قال السدي: السَّرْدِ المسامير التي في خلق الدرع. وقال مجاهد: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي: لا تدق المسامير، فتقلقل في الحلقة، ولا تغلظها فتعصمها، واجعله قدراً بين ذلك. وقال في رواية الكلبي هكذا. وقال بعضهم: هذا لا يصح لأن الدروع التي عملها داود- عليه السلام- وكانت بغير مسامير، لأنها كانت معجزة له. ولو كان محتاجاً إلى المسمار لما كان بينه وبين غيره فرق. وقد يوجد من بقايا تلك الدروع بغير مسامير، ولكن معنى قوله: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي: قدر في نسخها وطولها وعرضها وضيقها وسعتها.

ويقال: قَدِّرْ في تأليفه والسرد في اللغة تقدمة الشيء إلى الشيء. يأتي منسقاً بعضه إلى أثر

<<  <  ج: ص:  >  >>