للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورودها أن يجاء بجهنم كأنها متن إهالة، حتى إذا استوت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم، نادى مناد: خذي أصحابك وذري أصحابي، فتخسف بكلّ ولي لها، وهي أعلم بهم من الوالد بولده، وينجو المؤمنون نديَّة ثيابهم» .

قال الفقيه: وحدثني الثقة بإسناده عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: «لما نزلت هذه الآية كبا لها الناس كبوةً شديدة، وحزنوا حتى بلغ الحزن منهم كل مبلغ، وقالوا:

وليس أحد إلا وهو يدخلها فأنشؤوا يبكون. قال: ونزل بابن مظعون ضيف فقال لامرأته: هيئي لنا طعاماً فاستوصي بضيفك خيراً حتى آتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتهى إليهم وهم يبكون فقال: ما يُبْكِيكُمْ؟ قالوا: نزلت هذه الآية وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا يقول: كائناً لا يبقى أحد إلا دخلها، فأنشأ عثمان بن مظعون يبكي، ثم انصرف إلى منزله باكياً، فلما أتى منزله سمعت امرأته بكاءه، فأنشأت تبكي، فلما سمع الضيف بكاءهما أنشأ يبكي، فلما دخل عليهما عثمان قال لها: ما يبكيك؟ قالت: سمعت بكاءك فبكيت، فقال للضيف: وأنت ما يبكيك؟ قال: عرفت أن الذي أبكاكما سيبكيني، قال عثمان: فابكوا وحق لكم أن تبكوا، أنزل الله عز وجل اليوم على رسوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فمكثوا بعد هذه الآية سنتين، ثم أنزل الله هذه الآية، وهو قوله: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وروي في بعض الأخبار أنه نزل بعد ثلاثة أيام ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الذين اتقوا الشرك والمعاصي وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ يعني: المشركين فِيها جِثِيًّا يعني: جميعا، ففرح المسلمون بها. قرأ الكسائي. ننجي بالتخفيف، قرأ والباقون بالنصب والتشديد، أنجى ينجي وَنَجَّى ينجي بمعنى واحد.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٦]

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)

قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ يعني: تعرض عليهم آياتُنا بَيِّناتٍ يعني: واضحات، قد بين فيها الحلال والحرام قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني: النضر بن الحارث قال لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويقال: أهل مكة قالوا لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ يعني أيّ دينين خَيْرٌ مَقاماً، يعني: منزلاً. قرأ ابن كثير مَقاماً بضم الميم، وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالضم فهو الإقامة، يقال: أقمت إقامة ومقاماً، ومن قرأ بالنصب فهو المكان الذي يقام فيه وَأَحْسَنُ نَدِيًّا يعني: مجلساً، وذلك أنهم لبسوا الثياب، وادّهنوا الرؤوس، ثم قالوا للمؤمنين: أيُّ الفريقين خير منزلةً: المسلمون أو المشركون؟ وأرادوا أن يصرفوهم عن دينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>