تعالى فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، أي بطلت حسناتهم. فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، يعني لا يكون لأعمالهم التي عملوا ثواب، كما قال في آية أخرى: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان: ٢٣] ، وقال تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً [الكهف: ١٠٥] . وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، أي دائمون.
قال الفقيه: حدّثنا أبو إبراهيم محمد بن سعيد قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال:
حدثنا إبراهيم بن داود قال: حدثنا المقدمي، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: حدثنا الحضرمي، عن أبي السوار، عن جندب بن عبد الله: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعث رهطاً وبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتاباً، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال:
«لَا تُكْرِه أَحَداً مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى المَسِيرِ» . فلما بلغ المكان، قرأ الكتاب فاسترجع ثم قال:
السمع والطاعة لله ولرسوله، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب فقال المشركون: قتلهم محمد في الشهر الحرام، فأنزل الله تعالى الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ.... فقال المشركون: إن لم يكن عليهم وزر فليس لهم أجر.
فنزل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا من مكة وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أي في طاعة الله بقتل ابن الحضرمي. أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، أي ينالون جنة الله. وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ بقتالهم في الشهر الحرام، ثم نسخ تحريم القتال في الشهر الحرام وصار مباحا بقوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ١٣٦] فنهاهم الله عن ظلم أنفسهم بالسيئات والخطايا، وأمرهم بالقتال عاماً. وروى أبو يوسف عن الكلبي أن القتال في الشهر الحرام لا يجوز. وقال أبو جعفر الطحاوي: لا نعلم أن أهل العلم اختلفوا أن قتال المشركين في الشهر الحرام غير جائز. وروي عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قتال الكفار في الشهر الحرام، فقال: لا بأس به، وكذلك قال سليمان بن يسار وغيره.