للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعذبونكم بأشد العذاب وأقبح العذاب. ويقال في اللغة: سامه الخسف، إذا أولاه الهوان.

يعني يولونكم بأشد العذاب. ثم بيّن العذاب فقال تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ الصغار وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، أي ويستخدمون نساءكم. وأصله في اللغة. من الحياة، يقال:

استحيا، يستحيي إذا تركه حيّاً. وكانوا يذبحون الأولاد، ويتركون النساء أحياء للخدمة، وذلك لأن فرعون قالت له كهنته: يولد في بني إسرائيل مولود ينازعك في ملكك، فأمر بأن يذبح كل مولود يولد في بني إسرائيل وتترك البنات.

قوله تعالى: وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، أي نعمة من ربكم عظيمة، والبلاء:

يكون عبارة عن النعمة، ويكون أيضاً عبارة عن البلية والشدة وأصله من الابتلاء والاختيار يكون بهما جميعاً. فإن أراد به النعمة، فمعناه وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ، أي اتجاه الله من ذبح الأولاد واستخدام النساء نعمة لكم من ربكم عظيم وإن أراد به العذاب، فمعنى وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ أن في ذبح الأبناء واستخدام النساء بلاء لكم من ربكم عظيم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٥٠]]

وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)

وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ، أي فرق الماء يميناً وشمالاً حين خرج موسى مع بني إسرائيل من مصر، فخرج فرعون وقومه في طلبهم فلما انتهوا إلى البحر ضرب موسى عصاه على البحر، فانفلق، فصار اثني عشر طريقاً يبساً، لكل سبط منهم طريق. فلما جاوز موسى البحر ودخل فيه فرعون مع قومه، غشيهم مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ، أي غشيهم الماء فغرقوا في اليم فذلك قوله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ.

يقول: واذكرا نعمة الله عليكم إذ فلقنا بكم البحر فَأَنْجَيْناكُمْ من الغرق وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ، يعني فرعون وآله. قال بعض أهل اللغة: الآل، أتباع الرجل قريبه كان أو غيره، وأهله قريبه أتبعه أو لم يتبعه. ويقال: الآل والأهل بمعنى واحد، إلا أن الآل يستعمل لأتباع رئيس من الرؤساء يقال: آل فرعون وآل موسى، وآل هارون ولا يقال: آل زيد، وآل عمرو.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: من آلك؟ قال: «آلِي كُلُّ تَقِيَ إَلى يَوْمِ القِيَامَةِ» .

قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، أي تنظرون إليهم حين لفظهم البحر بعد ما غرقوا، يعني آباءهم. وقال بعضهم: معناه أنكم تعلمون ذلك كأنكم تنظرون إليهم. قال الفقيه: وكان في قصة فرعون وغيره علامة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعرف ذلك إلاَّ بالوحي، فلما أخبرهم بذلك من غير أن يقرأ كتاباً، كان ذلك دليلاً أنه قاله بالوحي، وفيه أيضاً تهديد للكفار ليؤمنوا حتى لا يصيبهم مثل ما أصاب أولئك، وفيه أيضاً تنبيه للمؤمنين وعظة لهم ليزجرهم ذلك عن المعاصي.

<<  <  ج: ص:  >  >>