قوله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً. نزلت في شأن أبي الدحداح، قال: يا رسول الله، إن لي حديقتين لو تصدقت بواحدة منهما، أيكون لي مثلها في الجنة؟ قال «نَعَمْ» . قال: وأم الدحداح معي؟ يعني امرأته. قال: «نَعَمْ» . قال: والدحداح معي؟ يعني ابنه.
فقال: «نَعَمْ» . قال: أشهدك أني قد جعلت حديقتي لله تعالى. ثم جاء إلى الحديقة، فقام على الباب وتحرج الدخول فيها، بعد ما جعلها لله تعالى ونادى: يا أم الدحداح اخرجي، فإني جعلت حديقتي لله تعالى، فخرجت وتحولت إلى حديقة أخرى، وقالت له: هنيئاً لك بما فعلت أو كما فعلت، فنزل قوله تعالى: فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً يعني ألفي ألف ضعف.
قال الفقيه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدّثنا فارس بن مردويه قال: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا المعلى بن منصور قال: حدثنا جعفر قال: حدّثنا علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال: إن الله تعالى يكتب للعبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت ذلك العام لألقى أبا هريرة، فأكلمه في هذا الحديث فلقيته فأخبرته فقال: ليس كذا قلت، ولم يحفظ الذي حدثك عني. وإنما قلت: ألفي ألف حسنة. ثم قال أبو هريرة: أو لستم تجدون في كتاب الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً. فقوله: كَثِيرَةً أكثر من ألف ألف ومن ألفي ألف.
ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ، أي يقتر الرزق على من يشاء وَيَبْصُطُ، أي يوسع على من يشاء من عباده. ويقال: يقبض الصدقات ويخلفها الثواب في الدنيا والآخرة. وقال بعضهم يسلب قوماً ما أنعم عليهم ويوسع على آخرين. وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في الآخرة قرأ حمزة والكسائي ونافع وأبو عمرو: فَيُضاعِفَهُ بالألف وبضم الفاء، وقرأ عاصم فَيُضاعِفَهُ بالألف وبنصب الفاء، وقرأ ابن كثير فَيُضْعِفُهُ بغير ألف وبضم الفاء، وقرأ ابن عامر:
فَيُضْعِفُهُ بغير ألف وبنصب الفاء. فأما من قرأ: فَيُضاعِفَهُ بالألف والضم، يضعفه فهما لغتان بمعنى واحد. يقال: ضاعفت الشيء وضعفته. ومن قرأ بضم الفاء عطفه على قوله:
يُقْرِضُ اللَّهَ. ومن نصبه فعلى جواب الاستفهام. وقرأ نافع يَبْصُطُ بالصاد، وقرأ الباقون:
بالسين وهو أظهر عند أهل اللغة. وفي كل موضع يكون الصاد قريباً من الطاء، جاز أن يقرأ بالسين وبالصاد مثل المصيطرون ومثل: الصراط، لأنه يشتد فرق الصاد عند ذلك فيجوز القراءة بالسين.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٦ الى ٢٥٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لاَ طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)