هو كائن وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يعني: أهل مصر. ويقال: يعني: أهل مكة لا يعلمون أن الله تعالى غالب على أمره.
قوله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ يعني يوسف: تمت قوة نفسه وعقله. ويقال: بلغ مبلغ الرجال. ويقال: الأشد بلوغ ثلاثين سنة. وقال الضحاك: يعني: بلغ ثلاثا ثلاثين سنة. ويقال الأشد: ما بين ثمانية عشرة سنة، إلى ثلاثين سنة ويقال: إلى ست وثلاثين سنة ويقال: من خمسة عشر إلى ثمان وثلاثين سنة. آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً يقول: أكرمناه بالنبوة، والعلم والفهم والفقه فجعلناه حكيماً وعليماً، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني: هكذا نكافئ من أحسن.
قوله تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ يعني: راودته عما أرادت عليه، مما تريد النساء من الرجال، فعلم بذلك ذكر الفاحشة الذي راودته عليه. ومعناه: طلبت إليه أن يمكنها من نفسه، يعني: امرأة العزيز واسمها زليخا وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ عليها وعلى يوسف، وجعلت تغمزه وتمازحه، ويوسف يعظها بالله ويزجرها.
وروي عن ابن عباس، أنه قال:«كان يوسف إذا تبسم، رئيت النور في ضواحكه، وإذا تكلم رأيت شعاع النور في كلامه يذهب من بين يديه، ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته» . فقالت له: يا يوسف ما أحسن عينيك! قال: هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي. ثم قالت:
يا يوسف ما أحسن ديباج وجهك! قال: هو للتراب يأكله. ثم قالت: يا يوسف ما أحسن شعرك! قال: هو أول ما ينتثر من جسدي. وَقالَتْ: يا يوسف، هَيْتَ لَكَ. قرأ حمزة والكسائي وعاصم، هَيْتَ لَكَ بنصب الهاء والتاء، بمعنى: أقبل، ويقال: هلم إليّ، والعرب تقول: هيت فلان لفلان، إذا دعاه وصاح به، وهكذا قرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن. وقرأ ابن عامر في رواية هشام هِئْتُ بكسر الهاء وبالهمز وضم التاء، بمعنى: تهيأت لك. وقرأ ابن كثير هَيْتَ لك بنصب الهاء وضم التاء، ومعناه: أنا لك، وأنا فداؤك، وقرأ نافع وابن عامر في إحدى الروايتين هَيْتَ بكسر الهاء ونصب التاء، بغير همز. قالَ مَعاذَ اللَّهِ قال يوسف:
أعوذ بالله أن أعصيه وأخونه. إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ يعني: إنه سيدي الذي اشتراني أحسن إكرامي، فلم أكن لأفعل بامرأته ذلك. إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعني: لا ينجو الزناة من عذاب الله تعالى، وفي هذه الآية دليل: أن معرفة الإحسان واجب، لأن يوسف امتنع عنها لأجل شيئين: لأجل المعصية والظلم، ولأجل إحسان الزوج إليه.