للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عز وجل: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، يقول: فرقوا دينهم وتفرقوا في دينهم، ومعناه: أن دين الله تعالى واحد، فجعلوه أدياناً مختلفة زبراً. قرأ ابن عامر: زُبُراً بنصب الباء، أي قطعاً وفرقاً، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي زُبُراً. بضم الباء، أي كتباً، معناه: جعلوا دينهم كتباً مختلفة، ويقال: فتقطعوا كتاب الله وحرفوه وغيروه. كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، يعني: بما هم عليه من الدين معجبون، راضون به.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٤ الى ٦١]

فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لاَّ يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨)

وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)

قوله عز وجل: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ، يعني: اتركهم في جهالتهم حَتَّى حِينٍ، يعني: إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب.

ثم قال: أَيَحْسَبُونَ، يعني: أيظنون وهم أهل الفرق، أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ يعني: أن الذي نزيدهم به مِنْ مالٍ وَبَنِينَ في الدنيا. نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، يعني: هو خير لهم في الآخرة؟ قرأ بعضهم يُسَارَعُ بالياء ونصب الراء على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقراءة العامة نُسارِعُ بالنون وكسر الراء، يعني: يظنون أنا نسارع لهم. في الخيرات، بزيادة المال والولد، بل هو استدراج لهم.

وروي في الخبر: «أن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام: أيفرح عبدي أن أبسط له في الدنيا، وهو أبعد له مني ويجزع عبدي المؤمن أن أقبض منه الدنيا، وهو أقرب له مني؟» ثم قال: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، وقد تم الكلام، يعني: أيظنون أن ذلك خيرا لهم في الدنيا؟ ثم قال: نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لاَّ يَشْعُرُونَ أن ذلك فتنة لهم ويقال: أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ وقد تم الكلام، يعني: أيظنون أن ذلك خير لهم في الدنيا؟

ثم قال عز وجل: نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ يعني: نبادرهم في الطاعات وهو خير لهم، أي في الآخرة بَلْ لاَّ يَشْعُرُونَ أن ذلك مكر بهم وشر لهم في الآخرة.

ثم ذكر المؤمنين، فقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، يعني:

خائفين من عذابه، ويقال: هذا عطف على قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ثم قال: وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، يعني: بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن يصدقون.

<<  <  ج: ص:  >  >>