ربهم وهي الجنة، وقال ابن عباس:«يعني: السعادة عند ربهم وهي الجنة» . وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال:«يعني: شفاعة محمد صلّى الله عليه وسلّم، لهم شفيع صدق عند ربهم» . وقال الحسن:
هي رضوان الله في الجنة، وقال القتبي: قَدَمَ صِدْقٍ يعني عَمَلاً صالحاً قدموه.
قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر لسحر بغير ألف، يعني: أن هذا القرآن لسحر مُّبِينٌ، يعني: كذب بيّن ظاهر، وقرأ الباقون: لَساحِرٌ مُبِينٌ. يعني: أن الذي يقرأ عليهم القرآن لساحر مبين. فالساحر اسم، والسحر فعل. فإن قيل: إذا قال الكفار هذا القول، فما الحكمة في حكاية كلامهم في القرآن؟ قيل له: الحكمة فيه من وجوه أحدها: أنهم كانوا يقولون قولاً فيما بينهم، فيظهر قولهم عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكان في ذلك علامة لنبوته لمن أيقن به. والثاني: أن في ذلك تعزية للنبي صلّى الله عليه وسلّم ليصبر على ذلك، كما قال: فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ، والثالث: أن في ذلك تنبيهاً لمن بعده أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يمتنع بما يسمع من المكروه.
قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وقد ذكرناه. ثم قال: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، يعني: يقضي القضاء وينظر في تدبير الخلق.
وروى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن سابط قال: مدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل. أما جبريل، فعلى الرياح والوحي والجنود. وأما ميكائيل، فعلى النبات والمطر. وأما ملك الموت، فعلى الأنفس. وأما إسرافيل، فينزل إليهم بما يؤمرون. مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، لأن الكفار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: هم شفعاؤنا عند الله، وبعضهم كانوا يعبدون الملائكة، فأخبر الله تعالى أنه لا شفاعة لأحد إلاَّ بإذن الله ويقال: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يعني: لا يشفع أحد لأحد يوم القيامة من الملائكة ولا من المرسلين، إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ في الشفاعة لهم.
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ يعني: الذي يفعل هذا من خلق السموات والارض، وتدبير الخلق، هو ربكم وخالقكم، فَاعْبُدُوهُ فدل أولاً على وحدانيته وتدبيره، ثم أمرهم بالتوحيد والطاعة