للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: فَلَوْلا كانَ يعني: فهلا كان مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يعني: ذوو بقية من آمن. وقال مقاتل: يعني: فلم يكن من القرون من قبلكم أُولُوا بَقِيَّةٍ يعني: ذوو بقية من دين، يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وهم الذين ينهون عن الفساد في الأرض. وقال القتبي: فهلا كان أولو بقية من دين يقال: قوم لهم بقية، إذا كان فيهم خير. قال القتبي: إذا رأيت «فلولا» بغير جواب، يريد به هلا، كقوله: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا [الأنعام: ٤٣] فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ [يونس: ٩٨] وقال بعض المفسرين: جعل «لولا» هلا هاهنا. وفي سورة يونس: بمعنى لم. وقال الزجاج: أُولُوا بَقِيَّةٍ معناه: أولو تمييز، ويجوز أولو طاعة وفضل. ومعنى بقية: إذا قلت في فلان بقية، معناه: فيه فضل، فيما يمدح به. إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ استثناء منقطع، والمعنى: لكن قليلاً ممن أنجينا ممن ينهي عن الفساد. وروى سيف بن سليمان المكي، بإسناده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الله لا يُعَذِّبُ العَامَّةَ بِعَمَلِ الخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا المُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أنْ يُنْكِرُوهُ، فَلاَ يُنْكِرُونَهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَذَّبَ الخَاصَّةَ وَالعَامَّةَ» «١» . ثم قال: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يقول: اشتغل الذين كفروا ما أُتْرِفُوا فِيهِ يقول: ما أنعموا وأعطوا من المال. ويقال: ارتكنوا على ما خولوا في الدنيا، واشتغلوا عما سواها من أمر الآخرة ويقال: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: السفلة مَا أُتْرِفُوا فِيهِ يعني: من أترفوا، وهم القادة والرؤساء. وقال الفراء: اتبعوا في دنياهم ما عودوا من النعيم، وإيثار الدنيا على الآخرة. وَكانُوا مُجْرِمِينَ يعني: مشركين.

قوله: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ، يقول: لم يكن ربك ليعذب أهل قرية، بِظُلْمٍ يعني: بغير جرم، وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يعني: موحِّدين مطيعين. وروي عن ابن عباس أنه قال: «ما أهلك الله قوماً إلا بعملهم، ولم يهلكهم بالشرك» ، يعني: لم يهلكهم بشركهم وهم مصلحون، لا يظلم بعضهم بعضاً، لأن مكافأة الشرك النار، لا دونها. وإنما أهلكهم الله بمعاصيهم زيادة على شركهم، مثل قوم صالح بعقر الناقة، وقوم لوط بالأفعال الخبيثة، وقوم شعيب بنقصان الكيل والوزن، وقوم فرعون بإيذائهم موسى وبني إسرائيل. ويقال: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يعني: وفيهم من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. وقال: لم يكن ليهلكهم وهم يتعاطون الحق فيما بينهم، وإن كانوا مجرمين.

[سورة هود (١١) : الآيات ١١٨ الى ١٢٠]

وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)


(١) حديث عدي الكندي: أخرجه أحمد ٤/ ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>