قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ يعني: إذا أذن للصلاة مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ يعني: امضوا إلى الصلاة فصلوها. ويقال: إِلى ذِكْرِ اللَّهِ يعني: الخطبة فاستمعوها. وروى الأعمش، عن إبراهيم قال: كان ابن مسعود يقرأ: (فامضوا إلى ذكر الله) ويقول: لو قرأتها فاسعوا، لسعيت حتى يسقط ردائي. وقال: القتبي: السعي على وجه الإسراع في المشي كقوله تعالى: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى [القصص: ٢٠] والسعي:
العمل كقوله تعالى: وَسَعى لَها سَعْيَها [الإسراء: ١٩] وقال: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)[الليل: ٤] ، والسعي: المشي، كقوله تعالى: يَأْتِينَكَ سَعْياً [البقرة: ٢٦٠] وكقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: ٩] وقال الحسن في قوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال: ليس السعي بالأقدام، ولكن سعي بالنية، وسعي بالقلب، وسعي بالرغبة.
ثم قال: وَذَرُوا الْبَيْعَ، ولم يذكر الشراء، لأنه لما ذكر البيع، فقد دل على الشراء.
ومعناه: اتركوا البيع والشراء. وقال جماعة من العلماء: لو باع بعد الأذان يوم الجمعة، لم يجز البيع. وقال الزهري: يحرم البيع يوم الجمعة عند خروج الإمام. وروى جويبر، عن الضحاك أنه قال: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، حَرُمَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْع، وَلَوْ كُنْت قَاضِيّاً لَرَدَدْتُهُ.
وروى معمر، عن الزهري قال: الأَذَان الَّذِي يُحرمُ نِيَّةَ الْبَيْعِ عِنْدَ خُروجِ الإمَامِ وَقْتَ الخُطْبَةِ، وقال الحسن: إذَا زَالَتِ الشَّمْسِ، فَلا تَشْتَرِ وَلا تَبِعْ. وقال محمد: يُحْرَمُ البَيْعُ عِنْدَ النِّداءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ عِنْدِ الصَّلاةِ. وروى عكرمة، عن ابن عباس قال: لا يَصحُّ البَيْعُ وَالشِّراءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى بِالصَّلاةِ حَتَّى تَنْقَضِي. وقال عامة أهل الفتوى من الفقهاء: إنَّ البَيْعَ جَائِزٌ فِي الحُكْمِ لأنَّ النَّهْيَ لأَجْلِ الصَّلاةِ وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِمَعْنًى فِي الْبَيْعِ. ثم قال: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ يعني: السعي إلى الصلاة، وترك الشراء والبيع. والاستماع إلى الخطبة، خير لكم من الشراء والبيع. إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني: فاعلموا ذلك. وكل ما في القرآن إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إن كنتم مؤمنين، فهو بمعنى التقرير والأمر.
ثم قال عز وجل: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ يعني: فرغتم من الصلاة، فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يعني: اطلبوا الرزق من الله تعالى بالتجارة والكسب. اللفظ لفظ الأمر، والمراد به الرخصة، كقوله: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة: ٢] ، وهي رخصة بعد النهي.