إلا من كان يهودياً. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً. قال الله تعالى رداً لقولهم: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ، أي ظنهم وأباطيلهم. وهذا كما يقال للذي يدعي ما لا يبرهن عليه:
إنما أنت متمن، وإنما يراد به: إنك مبطل في قولك.
ثم قال تعالى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ، أي حجتكم من التوراة أو من الإنجيل. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، أي بأن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهودياً أو نصرانياً. بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، معناه بل يدخل الجنة غيركم، من أسلم وجهه لله، أي من أخلص دينه لله وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْسِنٌ في عمله، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، أي ثوابه في الجنة. وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب حين يخاف أهل النار، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ حين يحزن أهل النار. ويقال:
ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمر الدنيا. ويقال: الخوف إنما يستعمل في المستأنف، والحزن في الماضي، كما قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ [الحديد: ٢٣] ويقال:
الخوف ثلاثة: خوف الأبد، وخوف العذاب على الانقطاع، وخوف الحشر والحساب. فأما خوف الأبد فيكون أمناً للمسلمين، وخوف العذاب على الانقطاع يكون أمناً للتائبين، وخوف الحشر والحساب يكون أمناً للمحسنين. والمحسنون يكونون آمنين من ذلك.
قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ من أمر الدين. وروي عن ابن عباس أنه قال: صدقوا ولو حلفوا على ذلك ما حنثوا، لأن كل فريق منهم ليس على شيء. وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ، أي عندهم ما يخرجهم من ذلك الاختلاف أن لو نظروا فيه. وقال الزجاج: معناه، كلا الفريقين يتلون الكتاب وبينهم هذا الاختلاف، فدلّ ذلك على ضلالتهم. كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، أي الذين ليسوا من أهل الكتاب قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا. فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، يعني أنه يريهم من يدخل الجنة عياناً ومن يدخل النار عياناً ويبيّن لهم الصواب فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، أي في الدنيا.