للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة التوبة (٩) : آية ٢٤]]

قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤)

قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ، يعني:

قومكم. قرأ عاصم في رواية أبي بكر وعَشِيرَاتُكُمْ بالألف بلفظ الجماعة، وقرأ الباقون وَعَشِيرَتُكُمْ بغير ألف. وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها، يعني: اكتسبتموها بمكة، وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها يعني: تخشون أن تبقى عليكم فلا تنفق، وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها يعني: منازلكم بمكة تعجبكم الإقامة فيها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني: أن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة، وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ يعني: في طاعة الله فَتَرَبَّصُوا، يعني: فانتظروا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، يعني: فتح مكة، ويقال: الموت والقيامة. وقال الضحاك: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ يعني: حتى يأمر الله بقتال آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم.

ثم قال: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. وهذا وعيد من الله تعالى للذين لم يهاجروا، ويقال: من أول سورة براءة إلى قوله: وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة: ١١] نزلت بعد فتح مكة. ثم من قوله: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ [التوبة: ١٢] إلى هاهنا، كان نزل قبل فتح مكة فوضع هاهنا.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٢٥]]

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)

ثم بعد هذا، نزلت بعد فتح مكة وهو قوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة: ٥] ، فأمرهم الله تعالى بأن يقاتلوا ويتوكلوا على الله، ويطلبوا النصرة منه، ولا يعتمدوا على الكثرة والقلة، لأن النصرة من الله تعالى فذلك قوله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، يعني: من مشاهد كثيرة وهو يوم بدر، ويوم بني قريظة، ويوم خيبر، ويوم فتح مكة، وخاصة يوم حنين يعني: نصركم الله في مواطن كثيرة. إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، يعني: جماعتكم، فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً يعني: عن قضاء الله تعالى لم تغن كثرتكم شيئاً. وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى حنين في اثني عشر ألفاً، وعشرة آلاف خرجوا معه من المدينة إلى فتح مكة، وخرج معه ألفان من أهل مكة، فَقَالَ رجل من المسلمين يقال له سلمة بن سلامة: لن نغلب اليوم من قلة. وقد كان فتح مكة في شهر رمضان، وبقيت عليه أيام

<<  <  ج: ص:  >  >>