للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل المسجد وجلس عنده جماعة من المشركين، فتمنى في نفسه أن لا يأتيه من الله شيء ينفرون منه، فابتلاه الله تعالى بما أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ، وقال بعضهم:

تمنى: أي تفكر وحدث بنفسه تلك الغرانيق العلى، ولم يتكلم به، لأن قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان حجة، فلا يجوز أن يكون يجري على لسانه كلمة الكفر. وقال بعضهم: لما رآه الشيطان يقرأ، خلط صوته بصوت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فقرأ الشيطان: تلك الغرانيق، فظن الناس أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن قرأها. وقال بعضهم: قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على وجه التعيير والزجر، يعني: أنكم تعبدونها كأنهن الغرانيق العلى، كما قَالَ إبراهيم عليه السلام فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣] وقال الزجاج: ألقى الشيطان في تلاوته، فذلك محنة يمتحن الله تعالى بها من يشاء، فجرى على لسان النبي صلّى الله عليه وسلّم شيء من صفة الأصنام، فافتتن بذلك أهل الشقاوة والنفاق. وروي عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار: أن ابن عباس كان يقرأ (وما أرسلنا من قبلك مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ ولا محدث) والمحدث: الذي يرى أمره في منامه، من غير أن يأتيه الوحي.

ثم قال: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمَا ألقى الشيطان حَكِيمٌ حكم بالناسخ. وبيّن قوله عز وجل:

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً، يعني: بلية لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أي شك، وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني: الذين قست قلوبهم عن ذكر الله، وهم المشركون. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، عن الحق. يعني: المشركين في خلاف طويل عن الحق.

ثم ذكر المؤمنين فقال: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، يعني: الذين أكرموا بالتوحيد والقرآن. ويقال: هم مؤمنوا أهل الكتاب. أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، يعني: القرآن. فَيُؤْمِنُوا بِهِ، أي فيصدقوا به. ويقال: لكي يعلموا أن ما أحكم الله في آياته حق، وأن ما ألقى الشيطان باطل، ويزداد لهم يقين وبيان، فذلك قوله: فَيُؤْمِنُوا بِهِ، أي يثبتوا به على إيمانهم. فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ، يعني: فتخلص له قلوبهم. وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، يعني:

أن الله عزَّ وجلَّ لحافظ قلوب المؤمنين في هذه المحنة، حتى لم ينزع المعرفة من قلوبهم عند إلقاء الشيطان.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]

وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦)

ثم قال عز وجل: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، أي: في شَكّ مّنْهُ، يعني: من القرآن. حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً، يعني: فجأة، أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ لا فرح فيه ولا راحة ولا رحمة ولا رأفة، وهو عذاب يوم القيامة. وقال السدي وقتادة: يَوْمٍ عَقِيمٍ يوم بدر، ويقال: إنما سمي يَوْمٍ عَقِيمٍ لأنه أعقم كثيراً من النساء وقال عمرو بن قيس: يَوْمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>