للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ

هذه في الآخرة، وَيُرْسِلَ عَلَيْها أي على جنتك حُسْباناً مِنَ السَّماءِ، أي ناراً من السماء، وهذا وقول الكلبي والضحّاك ومقاتل، وقال قتادة: حُسْباناً، أي مرامي واحدها حسبانة. وقال الزجاج: الحسبان أصله الحساب كقوله: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرحمن: ٥] ، أي بحساب، وهكذا قال هنا: حُسْباناً أي حساباً بما كسبت يداك.

وقال بعض أهل اللغة: الحسبان في اللغة سهم فارق وهو ما يرمى به.

ثم قال: فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً، أي فتصير تراباً أملس لا نبات فيها. أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً، أي غائراً، يقال: غار ماؤها فلم يقدر عليه فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً، أي حِيلَةً.

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ، أي: فأهلك جميع ماله، والاختلاف في الثمر كما ذكرنا. فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ أي يصفق يده على الأخرى ندامة عَلى مَآ أَنْفَقَ فِيها من المال، وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي ساقطة على سقوفها، وَيَقُولُ في الآخرة: يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً في الدنيا.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]

وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)

وقال: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي جنداً وقوماً وأعواناً يمنعونه من عذاب الله. وَما كانَ مُنْتَصِراً، أي ممتنعاً هو بنفسه. قرأ حمزة والكسائي وَلَمْ يَكُن بالياء بلفظ التذكير، وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث وقال الزجاج: لو قال نصره، لجاز وإنما ينصره على المعنى، أي أقواماً ينصرونه.

هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، أي عند ذلك وهو يوم القيامة، يعني: السلطان والحكم لله الحق لا ينازعه أحد في ملكه يومئذٍ، وهذا كقوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: ١٩] . فمن قرأ الْحَقِّ بكسر القاف جعله نعتاً لله ومن قرأ بالضم جعله نعتاً للولاية. قرأ حمزة هُنالِكَ الْوَلايَةُ بكسر الواو وضم القاف، وقرأ الباقون الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ الْوَلايَةُ بنصب الواو وكسر القاف، وقال بعضهم: الْوَلايَةُ بالكسر والنصب لغتان، وقيل: بالكسر مصدر الوالي، يقال: والي بين الولاية، وبالنصب مصدر الولي بين الولاية. هُوَ خَيْرٌ ثَواباً، أي خير من أثاب العبد وَخَيْرٌ عُقْباً، أي خير من أعقب. قرأ حمزة وعاصم عُقْباً بجزم القاف، وقرأ الباقون بضم القاف، ومعناهما واحد وهو العاقبة. فبيّن الله تعالى حال الأخوين في الدنيا وبيّن حالهما في الآخرة في سورة الصافات في قوله تعالى: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ [الصافات: ٥١] إلى قوله: فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٥٥] .

ثم قال: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا، أي للمشركين، شبه ما في الدنيا من الزينة

<<  <  ج: ص:  >  >>