قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ، أي رفع بصرك إلى السماء وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل:«وَدِدْتُ لَوْ أنَّ الله تَعَالى صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ اليَهُودِ إلَى غَيْرِهَا» وإنما أراد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء- عليهم السلام- وذلك لأنها كانت أدعى للعرب إلى الإسلام فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً فاسأل ربك، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء فأنزل الله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ، أي رفع بصرك إلى السماء. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ، أي فلنحولنك ولنوجهنك في الصلاة قِبْلَةً تَرْضاها، يعني تهواها أي تميل نفسك إليها. فأمره الله تعالى بالتوجه فقال: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، يعني نحوه وتلقاءه وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي إلى الكعبة.
ثم قال: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، يعني أن القبلة إلى الكعبة هي الحق وهي قبلة إبراهيم عليه السلام. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، يعني جحودهم القبلة إلى الكعبة فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بعلامة على تصديق مقالتك وهم اليهود والنصارى، فنزل قوله تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وهم اليهود والنصارى بِكُلِّ آيَةٍ، أي بكل علامة مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، أي ما صلوا إلى قبلتك. وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، أي بمصل إلى قبلتهم، وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ- يقال: معناه كيف ترجو أن يتبعوك ويصلوا إلى قبلتك وهم لا يتبعون بعضهم بعضاً.
ثم قال: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه أمته، يعني: لئن صليت إلى قبلتهم أو اتبعت مذهبهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، أي البيان أن دين الإسلام هو الحق والكعبة هي القبلة. إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ، أي الضارين بنفسك.