قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي وذلك أن أهل مكة قالوا له: من أين لك هذه الفضيلة وأنت بشر مثلنا؟ فإن فعلت لطلب المال فاترك هذا القول حتى نعطيك من المال ما شئت. فنزلت قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني: وفقني الله وهداني إلى دين الإسلام وهو دين لا عوج فيه دِيناً قِيَماً. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو دِيناً قِيَماً بنصب القاف وكسر الياء مشدودة. وقرأ الباقون قَيِّماً بكسر القاف ونصب الياء على معنى المصدر. ومن قرأ بالنصب على معنى النعت دِيناً قِيَماً يعني: ديناً عدلاً مستقيماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً يعني: مستقيماً مخلصاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ على دينهم قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وأصل النسك ما يتقرب به يعني: قل إن صلاتي المفروضة وقرباني وديني وَمَحْيايَ في الدنيا وَمَماتِي بعد الحياة. ويقال: وَنُسُكِي يعني: أضحيتي وحجتي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ في الكتاب وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من أهل مكة. ويقال: أول المسلمين يوم الميثاق. ويقال: صَلاتِي يعني: صلاة العيد ونسكي يعني: الأضحية.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنه:«قُومِي إلى أُضْحِيَتِكِ وَاذْبَحِي وَقُولِي: إنَّ صَلاَتِي وَنُسْكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ» . ويقال: إن أول المخلصين بالثبات على الإسلام.
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا يعني: يقول أعبد وأطلب رباً غيره وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ من خلقه في السموات والأرض، لأنهم كانوا يقولون له: نحن كفلاء لك بما يصيبك ومن تابعك.
فنزلت وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها يعني: إلا لها أو عليها إن كان خيراً فلها وإن كان شراً فعليها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ أي مصيركم في الآخرة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الدين، ويبيّن لكم الحق من الباطل بالمعاينة.
ثم قال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ يعني: سكان الأرض من بعد إهلاك