ثم قال: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ألا وجد الله رسولاً غيرك؟ وما نرى أحداً من أهل الكتاب يصدقك بما تقول فأرنا من يشهد لك أنك رسوله؟ فقال الله تعالى: قُلْ: لأهل مكة أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً يعني: حجة وبرهاناً ويقال: من أكبر شهادة؟ فإن أجابوك وإلا ف قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بأني رسول الله.
والشهيد في اللغة: هو المبين. وإنما سمى الشاهد شاهداً لأنه يبيّن دعوى المدعي بأمر الله نبيه- عليه السلام- بأن يحتج عليهم بالله الواحد القهار الذى خلق السموات والارض، وجعل الظلمات والنور، وخلقهم أطوارا.
ثم قال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يعني: لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وَمَنْ بَلَغَ يعني: ومن بلغه القرآن سواكم، فأنا نذير وبشير من بلغه القرآن من الجن والإنس. قال قتادة: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً من كتاب الله تعالى» ، فمن بلغه فكأنما عاين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه. وقال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قرأ: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال مجاهد: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ بَلَغَ يعني: من العجم وغيرهم.
ثم قال: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى من الأصنام. فإن قالوا: نعم قُلْ لاَّ أَشْهَدُ بما شهدتم ولكن قُلْ أشهد إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ من الأصنام والأوثان.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني: التوراة والإنجيل يَعْرِفُونَهُ يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ وقال عبد الله بن سلام: أنا أعرف بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابني لأني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أشهد لابني، لأني لا أدري ما أحدثت النساء بعدي.
ثم قال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يعني: كعب بن الأشرف ومن تابعه ممن طلبوا الرئاسة، آثروا الدنيا على الآخرة.