قال عز وجل: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ أي: قل يا محمد، نزل جبريل بالقرآن، والتشديد لكثرة نزوله. ويقال: نزّله بمعنى تَنَزَّلَ. كما يقال: قَدَّمَ بمعنى تَقَدَّمَ، وَبَيَّنَ: بمعنى تَبَيَّنَ.
ويقال: نَزَّلَهُ بمعنى: تلاه والوحي بلغه. ويقال: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ يعني: جبريل الذي يأتيك بالناسخ والمنسوخ مِنْ رَبِّكَ أي: من عند ربك. ويقال: من كلام ربك بِالْحَقِّ أي: بالوحي. ويقال: بالصدق. ويقال: للحق. ويقال: لصلاح الخلق لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا أي: ليحفظ قلوب الذين آمنوا على الإسلام. ويقال: لِتَطمئن إليه قلوب الذين آمنوا وَهُدىً من الضلالة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ بالجنة.
وقال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يعني: أن كفار قريش يقولون: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ يعنون: جبراً ويساراً. وروى حصين عن عبد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان من أهل اليمن نصرانيان، اسم أحدهما يسار، والآخر جبر، صيقليان، وكانا يقرآن بلسانهما، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمر عليهما ويستمع منهما. فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، فأكذبهم الله تعالى حيث قال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ أي: رومي اللسان. وقال مقاتل: كان غلام لابن الحضرمي اسمه يسار، وهو يهودي أعجمي اللسان، فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا آذاه كفار قريش يدخل عليه ويحدثه، فقال المشركون: إنما يعلمه يسار. فقال الله تعالى رداً عليهم:
لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ أي: يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمه أعجمي، أي:
وروي عن طلحة بن عمير أنه كان يقول: بلغني أن خديجة كانت تختلف إلى غلام ابن الحضرمي وكان نصرانيا صاحب كتب، يقال له: جبر وكانت قريش تقول: إنّ عبد الحضرمي يعلم خديجة، وخديجة تعلم محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فنزل وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ثم أسلم جبر بعد ذلك، وحسن إسلامه، وهاجر مع سيده. قرأ ابن كثير رُوحُ القدس بجزم الدال، وقرأ الباقون: الْقُدُسِ بالضم وقرأ حمزة والكسائي يُلْحِدُونَ بنصب الياء والحاء، وقرأ الباقون: يُلْحِدُونَ بضم الياء وكسر الحاء ومعناهما واحد.