هو يا ملك الموت؟ فأخبره بالقصة، ثم نظر الملك إلى إدريس قال: ما تقول يا إدريس؟ قال:
أقول إن الله يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران: ١٨٥] فقد ذقته ويقول الله عز وجل:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] وقد وردتها وقال لأهل الجنة: وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ [الحجر: ٤٨] . فو الله لا أخرج منها حتى يكون الله عز وجل هو الذي يخرجني. قال: فسمع هاتفاً يقول: بإذني دخل وبإذني فعل فخل سبيله، فذلك قوله عز وجل: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا» يعني: الجنة. ويقال: وَرَفَعْناهُ في القدر والمنزلة، ويقال: وَرَفَعْناهُ في النبوة والعلم.
ثم قال عز وجل: أُولئِكَ، يعني: إبراهيم، وموسى، وإسماعيل، وإدريس، وسائر الأنبياء عليهم السلام الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ من سائر الأنبياء وهم ولد نوح عليه السلام إلا إدريس عليه السلام، يعني: حملناهم على السفينة وهم في صلب نوح وأولاده، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وهو يعقوب وَمِمَّنْ هَدَيْنا يعني: أكرمنا بالنبوة، ويقال: أكرمنا بالإسلام، وَاجْتَبَيْنا يعني: واصطفينا بعد هؤلاء. إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ، يعني: القرآن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا يعني: يسجدون ويبكون من خوف الله عز وجل. بكيّ: جمع باكي. وقوله: سُجَّداً وَبُكِيًّا منصوب على الحال، وقال بعضهم: بُكِيًّا مصدر بكى يبكي بكياً، وقال الزجاج: من قال مصدر فهو خطأ، لأن سُجَّداً جمع ساجد وَبُكِيًّا عطف عليه فهو جمع باك.
قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، يعني: بقي بعد الأنبياء الذين ذكرناهم من أول السورة إلى هنا بقيات سوء، وهم اليهود والنصارى. يقال: في الرداءة خَلْفٌ بإسكان اللام، وفي الصلاح خَلَفَ بفتح اللام.
ثم وصفهم فقال: أَضاعُوا الصَّلاةَ، يعني: عن وقتها، ويقال: تركوها، ويقال: تركوا الصلاة فلم يؤدُّوها وجحدوا بها فكفروا، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ يعني: شرب الخمر، ويقال:
استحلوا الزنى، ويقال: استحلوا نكاح الأخت من الأب. فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، يعني: شراً، ويقال: وادي في جهنم يسمى غَيّاً، ويقال: مجازاة الغيّ كما قال الله عزّ وجلّ يَلْقَ أَثاماً [الفرقان: ٦٨] أي مجازاة الآثام.
ثم استثنى فقال تعالى: إِلَّا مَنْ تابَ، يعني: رجع عن الكفر وَآمَنَ، يعني: صدق بتوحيد الله عز وجل، وَعَمِلَ صالِحاً بعد التوبة. فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً، يعني: لا ينقصون شيئاً من ثواب أعمالهم.