للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ، يعني: لا يشركون معه غيره، ولكنهم يوحدون ربهم، ويقال: بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ هو أن يقول: لولا فلان ما وجدت هذا.

ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا، يعني: يعطون ما أعطوا من الصدقة والخير.

وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، يعني: خائفة. وروى سالم بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد الهمداني: أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هم الذين يشربون الخمر، ويسرقون، ويزنون؟ قال: «لا يا بِنْتَ أبِي بَكْرٍ، ولكنهم هُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَيُصَلُّونَ» .

وروي عن أبي بكر بن خلف أنه قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقلنا: يا أمّ المؤمنين كيف تقرئين وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يا بِنْتَ أبِي بَكْرٍ، هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَيَخَافُ أنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُ» . وقال الزجاج: من قرأ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، معناه: يعطون ما أعطوا، ويخافون أن لا يقبل منهم ومن قرأ يَأْتُونَ ما أتوا أي: يعملون من الخيرات ما يعملون، ويخافون مع اجتهادهم أنهم مقصرون.

ثم قال تعالى: أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ، يعني: لأنهم إلى ربهم راجعون، ومعناه:

يعملون ويوقنون أنهم يبعثون بعد الموت.

قوله عز وجل: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، يعني: يبادرون في الطاعات من الأعمال الصالحة، وَهُمْ لَها سابِقُونَ، يعني: هم لها عاملون، يعني: الخيرات، وقال الزجاج: فيه قولان: أحدهما: معناه هم إليها سابقون، كقوله عز وجل: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة: ٥] يعني: إليها، ويجوز هُمْ لَها سابِقُونَ أي: لأجلها، أي من أجل اكتسابها، كقولك: أنا أكرم فلاناً لك، أي من أجلك.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٢ الى ٦٧]

وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لاَ تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦)

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧)

قوله عز وجل: وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، يعني: بقدر طاقتها. وَلَدَيْنا كِتابٌ، يعني: وعندنا نسخة أعمالهم التي يعملون، وهي التي تكتب الحفظة عليهم يَنْطِقُ بِالْحَقِّ، يعني: يشهد عليهم بالصدق. وقال الكلبي: وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، أي طاقتها، فمن

<<  <  ج: ص:  >  >>