قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً، أي بالقرآن. ويقال بالحق يعني بالدعوة إلى الحق. ويقال: بالحق أي لأجل الحق. ويقال: أي بالدعوة إلى الحق. ويقال: ببيان الحق. بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ قرأ نافع وَلا تُسْئَلُ بنصب التاء وجزم اللام، والباقون بضم التاء واللام. فمن قرأ بالرفع، فمعناه أنك إذا بلغت الرسالة، فإنك قد فعلت ما عليك، ولا تُسْأَلُ عن أصحاب الجحيم فيما فعلوا، وهذا كما قال في آية أخرى:
فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرعد: ٤] وأما ومن قرأ بالنصب، فهو على معنى النهي، أي لا تسأل عن أصحاب الجحيم أي عما فعلوا. قال القاضي الخليل بن أحمد: أخبرنا الديلمي قال: أخبرنا أبو عبيد الله قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة الربذي، عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْتَ شِعْرِي مَا فُعِلَ بأَبَوَيَّ» . فنزلت هذه الآية إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ الآية.
قوله تعالى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى، يعني أهل المدينة ونصارى أهل نجران حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، أي تصلي إلى قبلتهم. قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى، يعني إن قبلة الله هي الكعبة- وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ، أي صليت إلى قبلتهم بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، أي من بعد ما ظهر لك: أن القبلة هي الكعبة، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ينفعك وَلا نَصِيرٍ، أي مانعاً يمنعك. ويقال: معناه وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، أي حتى تدخل في دينهم، وذلك أن الكفار كانوا يطلبون الصلح، وكان يرى أنهم يسلمون، فأخبره الله تعالى أنهم لا يسلمون، ولن يرضوا عنه، حتى يتبع ملتهم فنهاه الله عن الركون إلى شيء مما يدعونه إليه. فقال تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى، يعني دين الله هو دين الإسلام. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه أمته، أي لئن اتبعت دينهم بعد ما جاءك من العلم، أي بعد ما ظهر أن دين الإسلام هو الحق مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ، أي من عذاب الله مِنْ وَلِيٍّ ينفعك وَلا نَصِيرٍ، أي مانع يمنعك منه.