يتوبوا فقال: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ يعني: إن لم يتوبوا، ولم يرجعوا عن مقالتهم، لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ فهذا لام القسم، فكأنه أقسم بأنه ليصيبهم عَذابٌ أَلِيمٌ يعني:
أن أقاموا على كفرهم.
ثم دعاهم إلى التوبة فقال: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ من النصرانية، وَيَسْتَغْفِرُونَهُ عن مقالتهم الشرك، فإن فعلوا فإنَّ وَاللَّهُ غَفُورٌ للذنوب رَحِيمٌ بقبول التوبة، ويقال: قوله:
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ لفظه لفظ الاستفهام والمراد به الأمر فكأنه قال: توبوا إلى الله، وكذلك كل ما يشبه هذا في القرآن، مثل قوله: (أتصبرون) يعني: اصبروا.
ثم بيّن الله تعالى أن المسيح عبده ورسوله، وبيّن الحجة في ذلك، فقال:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧)
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ يعني: هو رسول كسائر الرسل، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وهو من جماعة الرسل، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ شبه النبيين، وذلك حين صدقت جبريل حين قال لها: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
[مريم: ١٩] والصديق في اللغة هو المبالغ في التصديق. وقال في آية أخرى: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها [التحريم: ١٢] ثم قال: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ يعني:
المسيح وأمه كانا يأكلان ويشربان. ومن أكل وشرب، تكون حياته بالحيلة، والرب: لا يأكل ولا يشرب. ويقال: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ كناية عن قضاء الحاجة. لأن الذي يأكل الطعام.
فله قضاء الحاجة. ومن كان هكذا لا يصلح أن يكون ربّاً.
ثم قال: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ يعني: العلامات في عيسى ومريم أنهما لو كانا إلهين ما أكلا الطعام، ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ يقول: من أين يكذبون بإنكارهم بأني واحد.
وقال القتبي: أَنَّى يُؤْفَكُونَ يعني: أنى يصرفون عن الحق ويعدلون عنه. يقال: أفك الرجل عن كذا، إذا عدل عنه.
ثم أخبر الله تعالى عن جهلهم، وقلة عقلهم، فقال: قُلْ يا محمد، أَتَعْبُدُونَ مِنْ