والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: وإنما يَدْعُونَ بالياء على معنى الخبر عنهم.
وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة لهم.
ثم عظّم نفسه فقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ يعني: ليعلموا أن الله هو الرفيع الكبير. يعني: العظيم، وهو الذي يعظم ويحمد.
ثم بيّن قدرته فقال عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ يعني: السفن تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ أي: برحمة الله لمنفعة الخلق لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يعني: من علامات وحدانيته. ويقال:
من عجائبه. إِنَّ فِي ذلِكَ يعني: إن الذي ترون في البحر لَآياتٍ يعني: لعبارات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ على أمر الله عز وجل عند البلاء. ويقال: الذي يصبر في الأحوال كلها، شكورا لله عز وجل في نعمه. ويقال: لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعني: لكل مؤمن موحد. وإنما وصفه بأفضل خصلتين في المؤمن، لأن أفضل خصال المؤمن: الصبر والشكر. والصبار هو للمبالغة في الصبر. والشكور على ميزان فعول هو للمبالغة في الشكر.
وروي عن قتادة أنه قال: إن أحب العباد إلى الله من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
فأعلم الله عز وجل أن المتفكر المعتبر في خلق السموات والأرض هو الصبار والشكور.
قوله عز وجل: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ يعني: أتاهم موج، كما يقال: من غشي سدد السلطان يجلس ويقم. ويقال: علاهم. ويقال: غطاهم موج كالظلل يعني: كالسحاب.
ويقال: كالجبال، وهو جمع ظلة. يعني: يأتيهم الموج بعضه فوق بعض وله سواد لكثرته.
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني: أخلصوا له بالدعوة فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ يعني:
إلى القرار فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يعني: فمنهم من يؤمن، ومنهم من يكفر ولا يؤمن.
ثم ذكر المشرك الذي ينقض العهد فقال تعالى: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا يعني: لا يترك العهد إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ يعني: غدار بالعهد. كفور لله عز وجل في نعمه. وقال القتبي:
الختر أقبح الغدر. كَفُورٍ على ميزان فعول. وإنما يذكر هذا اللفظ إذا صار عادة له كما يقال: ظلوم. وقد ذكر الكافر بأقبح خصلتين فيه، كما ذكر المؤمن بأحسن خصلتين فيه وهو قوله: صَبَّارٍ شَكُورٍ.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)