للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القمر بالليل، ذلك لبني آدم كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يقول: يسير إلى وقت معلوم لا يجاوزه، وللشمس والقمر منازل، كل واحد منهما يغرب في كل ليلة في منزل ويطلع في منزل، حتى ينتهي إلى أقصى منازله يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يعني: يقضي القضاء، ويبعث الملائكة بالوحي والتنزيل يُفَصِّلُ الْآياتِ يقول: يبيّن العلامات في القرآن لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ يعني:

تصدقون بالبعث.

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣ الى ٤]

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)

قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ يعني: بسط الأرض من تحت الكعبة على الماء، وكانت تكفي بأهلها كما تكفي السفينة، فأرساها الله بالجبال الثقال، وهو قوله تعالى وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ يعني: الجبال الثوابت من فوقها وَأَنْهاراً يعني: خلق في الأرض أنهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ يعني: خلق فيها من ألوان كلّ الثمرات جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعني: خلق من كل شيء لونين من الثمار، حلواً وحامضاً. ومن الحيوان ذكراً وأنثى.

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يعني: يعلو الليل على النهار، ويعلو النهار على الليل، واقتصر بذكر أحدهما إذا كان في الكلام دليل عليه. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر:

يُغْشِي بنصب الغين، وتشديد الشين. وقرأ الباقون: بالجزم والتخفيف. ثم بيّن أن ما ذكر من هذه الأشياء، فيه برهان وعلامات لمن تفكر فيها، فقال: إِنَّ فِي ذلِكَ يعني: فيما ذكر من صنعه لَآياتٍ يعني: لعبرات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في اختلاف الليل والنهار، فيوحّدونه.

ثم بيّن أن في الأرض علامات كثيرة، ودلائل كثيرة لوحدانيته، لمن له عقل سليم فقال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ يعني: بالقطع الأرض السبخة، والأرض العذبة.

مُتَجاوِراتٌ يعني: ملتصقات متدليات قريبة بعضها من بعض، فتكون أرضا سبخة، وتكون إلى جنبها أرض طيبة جيدة. وقال قتادة: قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أي: قرى متجاورات، ويقال:

العمران، والخراب، والقرى والمفاوز. وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ يعني: الكروم وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ قرأ بعضهم: بضم الصاد. وقراءة العامة: بالكسر. وهما لغتان ومعناهما واحد. قال مجاهد وقتادة: الصنوان النخلة التي في أصلها نخلتان، وثلاث أصلهن واحد. وقال الضحاك: يعني: النخل المتفرق والمجتمع ويقال: صِنْوانٌ النخلة التي بجنبها نخلات وَغَيْرُ صِنْوانٍ يعني: المنفردة. وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لاَ تُؤْذُونِي فِي العَبَّاسِ، فإِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>