قوله سبحانه وتعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها قرأ بعضهم: سُورَةٌ بنصب الهاء، وقراءة العامة بالضم. فمن قرأ بالضم فمعناه: هذه سورة أنزلناها، ومن قرأ بالنصب فمعناه: أنزلنا سورة، ويقال: اقرأ سورة، وقد: قرئت سُورَةٌ بالهمزة وبغير همز. فمن قرأ بالهمز، جعلها من أسأرت، يعني: أفضلت كأنها قطعة من القرآن. ومن لم يهمز، جعلها من سور المدينة سورا أي منزلة بعد منزلة. ويقال: السورة أصلها الرفعة، ولهذا سمّي سور المدينة. وقال النابغة للنعمان بن المنذر:
وإنما خص هذه السورة بذكر السورة لما فيها من الأحكام، فذلك كله يرجع إلى أمر واحد وهو أمر النساء.
ثم قال تعالى: وَفَرَضْناها، يعني: بيَّنا حلالها وحرامها، وقال القتبي: أصل الفريضة الوجوب، وهاهنا يجوز أن يكون بمعنى بيّناها، وقد يجوز أوجبنا العمل بما فيها، وقال بعض أهل اللغة: أصل الفرض هو القطع، ولهذا سمي ما يقطع من حافة النهر فرضة، ويسمى الموضع الذي يقطع من السواك، أي ليشد فيه الخيط فرض، ولهذا يسمى الميراث فريضة، لأن كل واحد قطع له نصيب معلوم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو: وَفَرَضْناها بتشديد الراء، وقرأ الباقون بالتخفيف. فمن قرأ بالتخفيف، فمعناه ألزمناكم العمل بما فرض فيها، ومن قرأ بالتشديد، فهو على وجهين: أحدهما: على معنى التكثير، أي إنا فرضنا فيها فروضاً، ومعنى آخر: وبيَّنا وفصلنا فيها من الحلال والحرام.
ثم قال: وَأَنْزَلْنا فِيها، يعني: في السورة آياتٍ بَيِّناتٍ، يعني: الحدود والفرائض والأمر والنهي. ويقال: الآيات، يعني: العلامات والعبرات، ويقال: يعني آيات القرآن.
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، يعني: تتعظون، فلا تعطلون الأحكام والحدود.