قوله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ قال في رواية الكلبي: كانت الأنصار يتنزهون عن الأكل مع الأعمى والمريض والأعرج، وقالوا: إن هؤلاء لا يقدرون أن يأكلوا مثل ما نأكل، فنزل لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ يعني: ليس على من أكل مع الأعمى حَرَجٌ وَلا عَلَى من أكل مع الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى من أكل مع الْمَرِيضِ حَرَجٌ إذا أنصف في مؤاكلته. وقال بعضهم: هذا التفسير خطأ، وهو غير محتمل في اللغة، لأنه أضاف الحرج إلى الأعمى لا إلى من أكل معه، وقد قيل: إن هذا صحيح، لأنه ذكر الأعمى وأراد به الأكل مع الأعمى، كقوله وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [البقرة: ٩٣] أي حب العجل، قال: وكما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ وللآية وجه آخر: وهو أن الأعمى كان يتحرج عن الأكل مع الناس مخافة أن يأكل أكثر منهم وهو لا يشعر، والأعرج أيضاً يقول: إني أحتاج لزمانتي أن يوسع لي في المجلس، فيكون عليهم مضرة، والمريض يقول: الناس يتأذون مني لمرضي، ويقذرونني فيفسد عليهم الطعام، فنزل لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ يعني: لا بأس بأن يأكلوا مع الناس، ولا مأثم عليهم. ولها وجه آخر: وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان الناس يخرجون إلى الغزو، ويدفعون مفاتيحهم إلى الزَّمْنى والمرضى، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا ممّا في منازلنا. وكانوا يتورعون منازلهم حتى نزلت هذه الآية» وإلى هذا يذهب الزهري رضي الله عنه.
وذكر أيضاً: أن مالك بن زيد وكان صديقه الحارث بن عمرو خرج غازياً، وخلف مالكاً في أهله وماله وولده، فلما رجع الحارث رأى مالكاً متغيراً لونه، فقال: ما أصابك، فقال: لم يكن عندي شيء آكله، فجهدت من الشدة والجوع، ولم يكن يحل لي أن آكل شيئاً من مالك، فنزلت هذه الآية إلى قوله أَوْ صَدِيقِكُمْ.
ثم قال تعالى: وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أي: لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم أو من بيوت عيالكم وأزواجكم. ويقال: مِنْ بُيُوتِكُمْ يعني: من بيوت بعضكم بعضا، وذلك أنه لما نزل قوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ امتنع الناس من أن يأكل