فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ يعني: جعل يلوم بعضهم بعضاً لصنيعهم ذلك، ثم قالُوا بأجمعهم: يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ يعني: عاصين بمنعنا المساكين. ثم قالوا:
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها يعني: يعوضنا خيراً منها في الجنة. إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ يعني: راجين مما عنده. قال الله تعالى: كَذلِكَ الْعَذابُ يعني: هكذا عذاب الدنيا لمن منع حق الله تعالى. وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لمن لم يتب ولم يرجع عن ذنبه. ويقال: هكذا العذاب في الدنيا لأهل مكة بالجوع، ولعذاب الآخرة أعظم. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يعني: لو كانوا يفقهون. ويقال: لو كانوا يصدقون، ثم ذكر ما للمتقين من الثواب.
فقال عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني: في الآخرة جَنَّاتِ النَّعِيمِ. فلما ذكر الله تعالى نعيم الجنة، قال عتبة بن ربيعة: إن كان كما يقول محمد صلّى الله عليه وسلم، فإن لنا في الآخرة أكثر ما للمسلمين، لأن فضلنا وشرفنا أكثر، فنزل: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ يعني: لا يكون حال المسلمين في الهوان والذل كالمشركين. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يعني: وَيْحَكم كيف تقضون بالجَوْر؟ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟ يعني: ألكم كتاب تقرؤون فيه؟ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ يعني: في الكتاب مما تتمنون. أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ؟ يعني: ألكم عهد عندنا وثيق؟ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. يعني: في يوم القيامة. إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ يعني:
ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.
قوله تعالى: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ يعني: أيهم كفيل لهم بذلك؟ ثم قال: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ؟ يعني: شهداء يشهدون أن الذي قالوا لهم حق. فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ يعني: يشهدون أن لهم في الآخرة ما للمسلمين، فهذا كله لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر واليأس، يعني: ليس لهم ذلك.