إذا أتاه سائل سأله، ولم يكن عنده شيء يعطيه، فيدعو له بالجنة والمغفرة. خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يعطيها له، ويَتْبَعُها أَذىً. ويقال: وعد المعطي خير من صدقة يتبعها أذى. ويقال: وعد الكريم خير من نقد اللئيم. ويقال: دعاء الفقير إذا دعا لصاحب الصدقة، ومغفرة الله خير من الصدقة التي يتبعها أذى. ويقال: قول معروف أن يتجاوز عمن أساء إليه، ويحسن له القول خير له من صدقة يتبعها أذى ويقال: الأمر بالمعروف، والصبر على ما أصابه، والتجاوز عن الذي أضرّ به، خير من صدقة يتبعها أذى. ثم قال: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ أي غني عما عندكم من الصدقة حليم، حيث لم يعجل العقوبة على من يمن بالصدقة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى فالله تعالى أمر عباده برأفته أن لا يمنوا بصدقاتهم، لكي لا يذهب أجرهم، ثم ضرب لذلك مثلاً فقال تعالى: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
يعني المشرك إذا تصدق، فأبطل الشرك صدقته، كما أبطل المن والأذى صدقة المؤمن، ثم ضرب لهما مثلاً جميعاً لصدقة المؤمن الذي يمن وبصدقة المشرك. فقال تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ.
قال القتبي: الصفوان الحجر الذي لا ينبت عليه شيء، يعني كمثل حجر صلب عليه تراب. فَأَصابَهُ وابِلٌ يعني المطر الشديد فَتَرَكَهُ صَلْداً يعني المطر ترك الصفا نقياً أجرد أملس ليس عليه شيء من تراب فكذلك نفقة صاحب الرياء، ونفقة المشرك لم يبق لهما ثواب.
ثم قال تعالى: لاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا والله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين. أي لا يجدون للصدقة ثواباً في الآخرة، وهذا كما قال في آية أخرى: ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ [إبراهيم: ١٨] . وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ يعني لا يرشدهم إلى الإسلام والإخلاص، ولا يوفقهم الله بل يخذلهم مجازاة لكفرهم، ثم ضرب مثلاً لنفقة المؤمن الذي يريد بنفقته وجه الله تعالى، ولا يمن بها فقال عز وجل: