للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ أي: لحقه نجم حار متوهج متوقد، لا يخطئه الشهاب أن يصيبه. فإما أن يأتي على نفسه، وإمّا أن يخبله، حتى لا يعود إلى الاستماع إلى السماء.

وقال ابن عباس: «إن أهل الجاهلية من الكهنة قالوا: لا يكون كاهن إلا ومعه تابع من الجن، فينطلق الشياطين الذين كانوا مع الكهنة، فيقعدون من السماء مقاعد السمع، ويستمعون إلى ما هو كائن في الأرض من الملائكة، فينزلون به على كهنتهم فيقولون: إنه قد كان كذا وكذا من الأمر، فتفشيه كهنتهم إلى الناس، فيتكلمون به قبل أن ينزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإِذا تكلم به النبي صلّى الله عليه وسلّم قالوا: قد علمنا قبله وكانت الشياطين لا تحجب عن الاستماع في السموات حتى بعث عيسى ابن مريم، فمنعوا من ثلاث سماوات، وكانوا يصعدون في أربع سماوات، فلما بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، منعوا من السموات السبع، وكان الشيطان المارد منهم يصعد، ويكون آخر أسفل منه، فإذا استمع قال للذي أسفل منه: قد كان من الأمر كذا وكذا، فيهرب الأسفل، ويرمي الذي استمع بالشهاب، ويأتي الأسفل بالأمر الذي سمع إلى كهنتهم، فذلك قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ.

ثم قال: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها يقول: بسطناها على الماء وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ أي:

الجبال الثوابت لكي لا تتحرك من أمكنتها وَأَنْبَتْنا فِيها أي: في الجبال مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي: مقسوم معلوم. ويقال: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ مما يخرج من الجبال من:

الحديد، والرصاص، والفضة، والذهب. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ أي: من الزرع والنبات.

ويقال: وَأَنْبَتْنا فِيها أي: في الأرض مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي: معدود من الحبوب وغيره. وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ أي: خلقنا فيها معايش البهائم، والوحوش، والطيور، يعني:

أنتم لستم ترزقونها، وأنا أرزقها.

قوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ أي: مفاتيح رزقه. ويقال: علمه، كقوله:

وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: ٥٩] وهو المطر وَما نُنَزِّلُهُ أي: المطر إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ أي:

بكيل ووزن معروف. قال ابن عباس: «أي، يعلمه الخزان إلا يوم الطوفان الذي أغرق الله به قوم نوح، فإِنه طغى على خزانه، وخرج وكثر فلم يحفظوا ما خرج منه يومئذ، وخرج أربعين يوما» .

[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٥]

وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)

قوله عز وجل: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ قال: بعث الله الريح، فتلقح السحاب، ثم تمر به فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر، هذا قول ابن مسعود. وقال ابن عباس في قوله: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ أي: ملقحات تلقّح الأشجار. وقال قتادة: لَواقِحَ أي: تلقح السحاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>