للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً يعني: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن، يعني: براً بهما.

وقال الكلبي: نزلت الآية في سعد بن أبي وقاص، لما أسلم قالت له أمه: يا سعد بلغني أنك صبوت إلى دين محمد، فو الله لا يظلني سقف بيت، وإن الطعام والشراب علي حرام حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى دينك الذي كنت عليه، فأبى عليها ذلك، فثبتت على حالها لا تطعم ولا تشرب، ولا تسكن بيتاً، فلما خلص إليها الجوع لم تجد بداً من أن تأكل وتشرب، فحثّ عز وجل الله سعدا بالبر إلى أمه، ونهاه أن يطيعها على الشرك فقال: وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ حجة، يعني: الشرك فَلا تُطِعْهُما في الشرك، ثم حذّره ليثبت على الإسلام فقال: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ يعني: مصيركم في الآخرة فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعني: أخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير أو شر، وأثيبكم على ذلك.

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٩ الى ١١]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١)

ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني: أقرُّوا وصدَّقوا بوحدانية الله تعالى وبنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وعملوا الطاعات فيما بينهم وبين ربهم لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ أي: مع الأنبياء والرسل عليهم السلام في الجنة. ويقال: لَنُدْخِلَنَّهُمْ في جملة الصالحين، ونحشرهم مع الصالحين.

قوله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ نزلت في عياش بن أبي ربيعة، هاجر إلى المدينة قبل قدوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليها، فجزعت أمه جزعاً شديداً. فقالت لأخويه: أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام، وهما أخواه لأمه، وأبناء عمه، فخرجوا في طلبه، فظفروا به وقالوا له: إن برّ الوالدة واجب عليك، فعليك أن ترجع فتبرها فإنها حلفت أن لا تأكل ولا تشرب، وأنت أحب الأولاد إليها، فلم يزالوا به حتى تابعهم. فجاؤوا به إلى أمه، فعمدت أمه فقيدته، وقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد، وضربوه حتى رجع إلى دينهم فنزل وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ يعني: عذب في دين الله عز وجل: جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ يعني: عذاب إخوته في الدنيا كَعَذابِ اللَّهِ في الآخرة. ويقال: نزلت في قوم من المسلمين أخذوهم إلى مكة وعذبوهم حتى ارتدوا فنزل مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ يعني: جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله، فينبغي

<<  <  ج: ص:  >  >>