والآخر معناه: وَآيَةٌ لَهُمْ القمر عطف على قوله: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ومن قرأ بالنصب، فمعناه: وقدرنا القمر. وقال مقاتل في قوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ يعني: قدرناه منازل في السماء، يبدو رقيقاً، ثم يستوي، ثم ينقص في آخر الشهر. وقال الكلبي: قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أي: قدرناه منازل بالليل، ينزل كل ليلة في منزل، ويصعد في منزل، حتى ينتهي إلى مستقره الذي لا يجاوزه، ثم يعود إلى أدنى منازله. ويقال: إن القمر يدور في منازله في شهر واحد، مثل ما تدور الشمس في منازلها في سنة واحدة، قال مقاتل وذلك أن القمر عرضه ثمانون فرسخاً مستديرة، والشمس هكذا. وكان ضوؤهما واحداً، فأخذ تسعة وتسعون جزءاً من القمر، فألحقت بالشمس. وروي عن ابن عباس أنه قال: القمر أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً، والشمس ستون فرسخاً في ستين فرسخاً. وقال بعضهم: القمر والشمس عرض كل واحد منهما مثل الدنيا كلها.
ثم قال تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يعني: صار كالعذق اليابس، والمنقرس، الذي حال عليه الحول. ويقال: للقمر ثمانية وعشرون منزلاً، فإذا صار في آخر منازله، دقّ حتى يعود كالعذق اليابس. والعرجون إذا يبس، دق واستقوس، فشبه القمر به. يعني: صار في عين الناظر كالعرجون، وإن كان هو في الحقيقة عظيم بنفسه، إلا أنه في عين الناظر يراه دقيقاً.
ثم قال عز وجل: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يعني: أن تطلع في سلطان القمر. وقال عكرمة: لكل واحد منهما سلطان للشمس سلطان بالنهار، وللقمر سلطان بالليل.
فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يعني: لا يدرك سواد الليل ضوء النهار، فيغلبه على ضوئه وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يعني: في دوران يجرون، ويدورون، ويقال: يَسْبَحُونَ يعني: يسيرون فيه بالانبساط، وكل من انبسط في شيء، فقد سبح فيه، وقال بعضهم: السماء كالموج المكفوف، والشمس والقمر، والكواكب الدوارة يسبحون فيها وقال بعضهم: الأفلاك كثيرة، مختلفة في السير، تقطع القمر في ثمانية وعشرين يوماً، والشمس تقطع في سنة. وقال بعضهم: الفلك واحد، وجريهن مختلف، والفلك في اللغة كل ما يدور.
ثم قال عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمْ يعني: علامة لكفار مكة على معرفة وحدانية الله تعالى، أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ يعني: آباءهم، واسم الذرية يقع على الآباء والنسوة، والصبيان، وأصله