ثم ذِكْرِ كُفَّار مَكَّةَ فقال: إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى يعني: ما هي إلا موتتنا الأولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ بعدها فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنا نبعث بعد الموت، يعني: قالوا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ يعني: قومك خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ، وإنما ذكر قوم تبع، لأنهم كانوا أقرب إلى أهل مكة في الهلاك من غيرهم.
قال الكلبي: وكانوا أشراف حمير وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ فكيف لا نهلك قومك إذا كذبوك قال: وكان تبع اسم ملك منهم، مثل فرعون. ويقال: إنما سمي تبع، لكثرة أتباعه، فأسلم فخالفوه فأهلكهم الله تعالى، وكان اسمه سعد بن ملكي كرب.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن تبع كان رجلاً صالحاً. وكان كعب الأحبار يقول: ذم الله قومه، ولم يذمه. وقال سعيد بن جبير:
أن تبعاً كسا البيت، يعني: الكعبة. وقال القتبي: هم ملوك اليمن، كل واحد منهم يسعى تبعاً، لأنه يتبع صاحبه، وكذلك الظل يسمى: تبعاً لأنه يتبع الشمس، وموضع التبع في الجاهلية، موضع الخليفة في الإسلام، وهم ملوك العرب. ثم قال: وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: من قبل تبع أَهْلَكْناهُمْ يعني: عذبناهم عند التكذيب إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ يعني: مشركين.
قوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ يعني: عابثين لغير شيء مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ يعني: إلا لأمر هو كائن. ويقال: خلقناهما للعبرة، ومنفعة الخلق ويقال: للأمر والنهي، والترهيب والترغيب وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ يعني: لا يصدقون ولا يفقهون.
قوله تعالى: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ أي: يوم القضاء بين الخلق، وهو يوم القيامة مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يعني: ميعادهم أجمعين، الأولين والآخرين. ويقال: يوم الفصل، يعني: يوم يفصل بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والزوج والزوجة، والخليل والخليلة، ثم وصف ذلك اليوم فقال: يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً يعني: لا يدفع ولي عن ولي، ولا قريب عن قريب شيئاً في الشفاعة وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يعني: لا يمنعون مما نزل بهم من العذاب. يعني:
الكافرين. ثم وصف المؤمنين، فإنه يشفع بعضهم لبعض فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ في نعمته للكافرين الرَّحِيمُ بالمؤمنين.