ينصرفون من الحرب، منهزمين. يعني: به: يوم بدر، وفي هذا علامة من علامات النبوة، لأن هذه الآية نزلت بمكة، وأخبرهم أنهم سيهزمون في الحرب، فكان كما قال. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن عمر- رضي الله عنه- قال: لما نزلت هذه الآية: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكنت لم أعلم ما هي، وكنت أقول: أي: جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر، رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يثبت في الدرع، ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ وقال الزجاج:
«ويولون الدبر» يعني: الإدبار، كقوله تعالى: يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ [آل عمران: ١١١] لأن اسم الواحد يدل على الجمع، وكذلك قوله تعالى: فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر: ٥٤] أي: أنهار. وذكر عن الفراء أنه قال: إنما وحّد لأنه رأس آية تقابل بالتوحيد رؤوس الآي. وكذلك في الدبر، لموافقته رؤوس الآي.
ثم قال: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ يعني: مجمعهم وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ يعني: عذاب الساعة أعظم وأشد من عذاب الدنيا.
ثم وصف عذاب الآخرة فقال: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يعني: المشركين في الدنيا في ضلالة، وخطأ، وخلاف، وفي سعير في الآخرة. والسعر جماعة السعير. ويقال:
السعر يعني: في عناء.
ثم أخبرهم بمستقرهم فقال عز وجل: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ يعني:
يجرون فى النار على وجوههم، ويقول لهم الخزنة: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ يعني: عذاب النار.
ثم قال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ يعني: خلقنا لكل شيء شكله مما يوافقه. وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: هذه الآية نزلت في أهل القدر يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وقال محمد بن كعب القرظي: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ نزلت تعبيراً لأهل القدر. قال أبو الليث: حدثنا أبو جعفر. قال: حدّثنا أبو القاسم، حدّثنا محمد بن الحسن، حدّثنا سفيان عن وكيع، عن زياد بن إسماعيل، عن محمد بن عبادة، عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت الآية يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وروى الضحاك، عن ابن عباس في قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ